ما كان أبو بكر محتاجاً إليه
أوّلا: إنّ العلماء ـ المحدثين والأُصوليين والمتكلمين ـ متّفقون على أنّ هذا الخبر قد انفرد أبو بكر بروايته عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) . . . فهو كلامٌ لم يسمعه من النبي أحد غيره، لا صهره علي، ولا عمّه العبّاس، ولا ابنته الزهراء، ولا أزواجه، حتّى عائشة بنت أبي بكر، بل لم يسمعوه من أبي بكر إلى تلك اللحظة حتّى عائشة. . . مع حاجتهم إلى معرفة هذه المسألة وعدم كون أبي بكر محتاجاً إلى معرفتها!!
يقول الفخر الرازي: «إنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلاّ فاطمة وعلي وعبّاس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهّاد والعلماء وأهل الدين، وأمّا أبو بكر، فإنّه ما كان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة ألبتّة، لأنّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يرث من الرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف يليق بالرسول عليه الصلاة والسلام أنْ يبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها ولا يبلّغها إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة»(1).
إذن، ففي ثبوت الحديث من أصله نظر، فما ظنّك بمن جاء في القرون المتأخّرة وحاول اثبات التواتر له عن رسول اللّه… !!
(1) التفسير الكبير مجلد 5 ج 9 / 218، أقول: تذكّرت بمناسبة هذا الكلام من الرازي كلام بعض الفقهاء في كتبهم الفقهيّة في مسألة شرعيّة هي: هل ينتقض الوضوء بمسّ الرجل ذكره أو لا؟ وقد روت حديث الانتقاض بسرة بنت صفوان، فيقول ابن الهمام الحنفي في (شرح فتح القدير 1 / 56): «قد ثبت عن علي وعمّار بن ياسر وابن عباس وعبداللّه بن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقّاص أنّهم لا يرون النقض منه، ولو كان هذا الحديث ثابتاً لكان لهم معرفة بذلك. والقائلون بنقض الوضوء من مسّ الذكر لم يستدلّوا بذاك الحديث، ولم يقل أحد أنّي سمعت رسول اللّه وروى من روى عن بسرة، ويبعد كلّ البعد أن يلقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حكماً إلى من لا يحتاج إليه، ولا يلقي إلى من يحتاج إليه، فعلم أنّ فيه انقطاعاً باطناً والحديث غير صحيح».
Menu