بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.
وبعد، فقد جاءتني رسالة من أحد الفضلاء من أبناء السنّة عبر الإنترنيت، يطلب منّي البحث في قضيّة فدك، (قال): «بشرط أن لا ننظر إليها بغير منظارها، ولا نزنها بميزان العاطفة التي لا تصلح للقضاء بين متنازعين، بل نقف عليها وقفة تأمّل، وننظر إليها بمنظار منصف لا ينقاد إلى عاطفته، بل إلى الحقّ حيث كان، على ضوء المصادر الموثوقة والأخبار المعتبرة عند أهل السنّة فيها» (قال): «لنكن حياديين ولنضع النقاط على الحروف بكلّ حياد، كأي قضيّة بين اثنين يراد النظر فيها على أساس الموازين الصحيحة، للوصول فيها إلى الواقع والحقيقة».
الأسئلة المطروحة:
ثمّ طرح الأسئلة التالية (فقال) ما ملخّصه:
أوّلاً: لماذا هذا الاهتمام البالغ بقضيّة فدك، والقضايا من هذا القبيل في تاريخ الإسلام كثيرة . . . فماذا يريد علماء الشيعة من وراء الاهتمام بها؟
وثانياً: قد اختلفت دعوى الزهراء، فتارةً تدّعي النحلة وأُخرى تدّعي الإرث، فما الوجه في ذلك؟ وكيف الجمع بينهما؟
وثالثاً: إنّنا نحترم عليّاً، ولكنّه زوج الزهراء، على أنّه لا تتمُّ بوحده البيّنة.
ورابعاً: إنّ أبا بكر قد سمع من رسول اللّه صلىّ اللّه عليه وسلّم قوله: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، فكان عليه أن يعمل بقوله، وهل يفرّق بين ما إذا كانت الدعوى من ابنته أو غيرها؟
وخامساً: إنّ الزهراء امرأة كسائر النساء وكسائر البشر، ترضى وتغضب، فماذا يكون إنْ غضبت على أبي بكر لعدم تسليم فدك إيّاها؟
وسادساً: عندنا في بعض الأخبار أنّ أبا بكر هو الذي صلّى على جنازتها، ممّا يدلّ على رضاها عن أبي بكر.
وسابعاً: إنّ الشيعة لا يورثّون المرأة من العقار، كما في رواياتهم.
وثامناً: روى الكليني في الكافي عن أبي عبد اللّه قوله: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): وإنّ العلماء ورثوا الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً… .
وتاسعاً: إنّه لو كان الحقّ مع الزهراء، فلماذا لم يأخذ علي فدكاً حين وصل إليه الحكم؟
فكتبت إليه:
إنّه قد ثبت لدى كلّ باحث حرّ منصف، أنّ علماء الشيعة الاثني عشريّة كانوا ـ وما زالوا ـ يستقبلون بكلّ رحابة صدر، أي سؤال يرد عليهم حول الفكر الشيعي، إنْ كان المقصود من ورائه هو الوصول إلى الحق والكشف عن الحقيقة، وهم في جميع بحوثهم يلتزمون بأدب المناظرة والحوار، ولا يتكلّمون إلاّ بالاستناد إلى البيّنات القائمة من الأدلّة المتّفق عليها بين الجانبين، أو ما تمليه المصادر القديمة الموثوق بها عند الطرف الآخر.
وسيتجلّى ذلك في هذا البحث أيضاً، مع كونه بحثاً حسّاساً جدّاً وهامّاً للغاية، . . . وهو يقع تحت عنوانين رئيسين:
أحدهما: مسألة فدك.
والآخر: حديث إنا معاشر الأنبياء.
واللّه أسأل أنْ ينفع به المؤمنين، وأن يجعله وسيلةً لهداية من كان لها أهلاً، بمحمد وآله الطاهرين.
علي الحسيني الميلاني