3 ـ وجوب المحبّة المطلقة يستلزم الأفضليّة:
وأيضاً، فإنّ عليّاً ممّن وجبت محبّته ومودّته على نحو الإطلاق، ومن وجبت محبّته كذلك كان هو الأحبّ، ومن كان أحبّ الناس إلى الله ورسوله كان أفضلهم، ومن كان أفضل كان هو الإمام… فعليّ عليه السلام هو الإمام بعد رسول الله.
أمّا المقدّمة الأُولى فواضحة جدّاً من الآية المباركة.
وأمّا المقدّمة الثانية فواضحة كذلك. وممّا يدلُّ على أنّ عليّاً عليه السلام أحبّ الخلق إلى الله ورسوله: حديث الطائر، إذ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وقد أُهدي إليه طائر ـ: «اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك، فجاء عليّ فأكل معه».
* رواه عنه من الصحابة:
1 ـ عليّ أميرالمؤمنين عليه السلام.
2 ـ عبدالله بن العبّاس.
3 ـ أبو سعيد الخدري.
4 ـ سفينة.
5 ـ أبو الطفيل عامر بن واثلة.
6 ـ أنس بن مالك.
7 ـ سعد بن أبي وقّاص.
8 ـ عمرو بن العاص.
9 ـ أبو مرازم يعلى بن مرّة.
10 ـ جابر بن عبدالله الأنصاري.
11 ـ أبو رافع.
12 ـ حبشي بن جنادة.
* ورواه عنهم من التابعين عشرات الرجال.
* ومن مشاهير الأئمّة والحفّاظ والعلماء في كلّ قرن، أمثال:
أبي حنيفة، إمام المذهب.
وأحمد بن حنبل، إمام المذهب.
وأبي حاتم الرازي.
وأبي عيسى الترمذي.
وأبي بكر البزّار.
وأبي عبدالرحمن النسائي.
وأبي الحسن الدار قطني.
وأبي عبدالله الحاكم النيسابوري.
وأبي بكر ابن مردويه.
وأبي نعيم الأصفهاني.
وأبي بكر البيهقي.
وأبي عمر ابن عبد البرّ.
وأبي محمّد البغوي.
وأبي الحسن العبدري.
وأبي القاسم ابن عساكر.
وابن حجر العسقلاني.
وجلال الدين السيوطي.
وعلى الجملة، فهذا الحديث نصً في أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله ورسوله(1).
وأمّا المقدّمة الثالثة فهي واضحة جدّاً كذلك، وقد نصّ غير واحد منهم على ذلك أيضاً:
قال وليّ الدين ابن العراقي، في كلام له نقله الحافظ القسطلاني وابن حجر المكّي عنه: «المحبّة الدينيّة لازمة للأفضليّة، فمن كان أفضل كانت محبّتنا الدينية له أكثر»(2).
وقال الرازي بتفسير (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ): «والمراد من محبّة الله تعالى له إعطاؤه الثواب»(3).
ومن الواضح: أنّ من كان الأحبّ إلى الله كان الأكثر ثواباً، والأكثر ثواباً هو الأفضل قطعاً.
وقال ابن تيميّة: «والمقصود أنّ قوله: (وغير عليٍّ من الثلاثة لا تجب مودّته) كلام باطل عند الجمهور، بل مودّة هؤلاء أوجب عند أهل السُنّة من مودّة عليّ، لأنّ وجوب المودّة على مقدار الفضل، فكلّ من كان أفضل كانت مودّته أكمل…
وفي الصحيح: إنّ عمر قال لأبي بكر يوم السقيفة ـ بل أنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله»(4).
وقال التفتازاني: «إنّ (أحبّ خلقك) يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه، عملا بأدلّة أفضليّتهما»(5).
وعلى الجملة، فإنّ هذه المقدّمة واضحة أيضاً، ولا خلاف لأحد فيها.
وأمّا المقدّمة الرابعة فبدليل العقل والنقل، وبه صرّح غير واحد من أعلام أهل الخلاف، حتّى أنّهم نقلوا عن الصحابة ذلك، كما تقدّم في بعض الكلمات في فصل الشبهات، وقال الشريف الجرجاني في الشورى وأنّه لماذا جعلت في هؤلاء الستّة دون غيرهم:
«وإنّما جعلها شورى بينهم، لأنّه رآهم أفضل ممّن عداهم وأنّه لا يصلح للإمامة غيرهم»(6).
ونسب ابن تيمية إلى جمهور العلماء أنّ تولية المفضول مع وجود الأفضل ظلم عظيم.
وقال محبّ الدين الطبري: «قولنا: لا ينعقد ولاية المفضول عند وجود الأفضل»(7).
وكذا قال غيرهم… ولا حاجة إلى ذِكر كلماتهم.
وإلى هذا الوجه أشار العلاّمة الحلّي في كلامه السابق.
وقال المحقّق نصير الدين الطوسي في أدلّة أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام: «ووجوب المحبّة».
فقال العلاّمة بشرحه: «هذا وجه تاسع عشر وتقريره: إنّ عليّاً عليه السلام كان محبّته ومودّته واجبة دون غيره من الصحابة، فيكون أفضل منهم. وبيان المقدّمة الأُولى: إنّه كان مِن أُولي القربى، فتكون مودّته واجبة لقوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)»(8).
(1) وهو يشكلّ الجزأين الثالث عشر والرابع عشر من كتابنا الكبير: «نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار».
(2) المواهب اللدنّيّة بالمنح المحمّدية، الصواعق المحرقة: 97.
(3) تفسير الرازي 8/17.
(4) منهاج السُنّة 7/106 ـ 107. وهو مردود سنداً ودلالةً.
(5) شرح المقاصد 5/299. ولا دليل معتبر على ذلك.
(6) شرح المواقف 8/365.
(7) الرياض النضرة ـ باب خلافة أبي بكر ـ 1/216.
(8) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 310.