جواب المحقق الإصفهاني
وأجاب المحقق الإصفهاني بما حاصله(1) :
إن رفع اليد عن حكم العقل هنا تخصّصي ، ورفعها عنه حكم الشارع تخصيص بلا دليل ، وإذا دار الأمر بين التخصّص والتخصيص تقدّم الأول .
توضيح الأول : إنّ الأحكام العقلية على قسمين ، قسم منها تنجيزي وقسم تعليقي ، فإنْ كان ما نحن فيه من قبيل الأوّل ، تمّ ما ذكره ، لكنه من قبيل الثاني ، فإنّ موضوع حكم العقل عدم جواز إسناد « ما لا يعلم » ـ أي المشكوك فيه ـ إلى الشارع ، وهذا هو الموضوع لحكمه ، فإنْ ارتفع الشكّ وجداناً أو بالتعبّد ، انتفى الموضوع وكان الحكم منتفياً بانتفائه ، وعلى الجملة ، فإن حكم العقل متوقف على وجود الشك عقلاً وشرعاً ، لكنّ دليل الاستصحاب رافع للشك .
وتوضيح الثاني : إن سقوط دليل الاستصحاب هنا بحكم العقل ورفع اليد عن جريانه يستلزم التخصيص في أدلّة الاستصحاب ، لأن المفروض وجود موضوعه ـ وهو الشك ـ بالوجدان ، واليقين السابق بعدم الحجيّة أيضاً موجود ، فأركانه تامة ، فإذا لم يجر يلزم التخصيص في أدلّته من غير مخصّص ، لأنّ ما يحتمل أن يكون مخصّصاً ليس إلاّ حكم العقل ، لكنّ مخصصّية حكم العقل موقوفة على وجود المقتضي لجريانه ، ووجوده موقوف على عدم جريان عمومات الاستصحاب ، لكنّ عدم جريانها موقوف على تخصيص حكم العقل ، وهذا دور .
وهكذا يندفع إشكال الميرزا ويتمّ الأصل العملي الشرعي .
إلاّ أن يقال :
إن ما ذكر مبني على أن يكون الشكّ هو الموضوع لحكم العقل ، فيتقدم عليه دليل الاستصحاب كما تقدّم . أمّا إن كان الموضوع له هو عدم وصول الحجيّة ، الملازم للشك ، فإنّ عدم وصولها يساوي وصول عدمها ، لكنّ نتيجة التعبّد الشّرعي بالإستصحاب إنه : واصلٌ إليك عدم الحجيّة ، وهذا غير رافع لـ« عدم وصول الحجيّة » فيكون موضوع حكم العقل باقياً والاستصحاب غير رافع له . فتأمّل .
هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل في حجية الظن ، ومقتضى القاعدة أن يتمسّك أوّلاً بالأصل اللّفظي ثم على فرض التنزّل بالأصل العملي ، ثم بالأصل العقلي .
ويقع البحث في الأمارات بعون اللّه .
(1) نهاية الدراية 3 / 163 .