الثالث : في كلام صاحب الفصول
إنّ لصاحب الفصول(1) نظرية في باب التجرّي تعرّض لها الشيخ وغيره ، وتتلخّص في نقطتين :
الاُولى : إن قبح التجرّي ليس ذاتيّاً بل يختلف بالوجوه والاعتبار ، فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل ، فحسب أنه ذلك الكافر وتجرّى بترك قتله ، فإنه لا يستحق الذم على هذا الفعل عقلاً عند من انكشف له الواقع وإنْ كان معذوراً لو فعل . وأظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبي أو وصي ، فتجرّى ولم يقتله .
قال :
ألا ترى أن المولى الحكيم إذا أمر عبده بقتل عدوٍّ له ، فصادف العبد ابنه وزعمه ذلك العدو ، فتجرّى ولم يقتله ، أن المولى إذا اطّلع على حاله لا يذمّه على هذا التجرّي ، بل يرضى به وإنْ كان معذوراً لو فعل .
قال :
ومن هنا يظهر أن التجري على الحرام في المكروهات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مندوباتها ، ويختلف باختلافها ضعفاً وشدّة كالمكروهات … .
(1) الفصول الغروية ، مبحث الاجتهاد والتقليد : 431 .