الرابع: لو ظفر بمقيّد الكلام فيما بعد
قد عرفت أنه لابدّ من إحراز كون المتكلّم في مقام البيان.
فوقع الكلام فيما لو ظفر بالقيد فيما بعد، فهل يكشف ذلك عن عدم كونه في مقام بيان تمام المراد ويسقط الإطلاق فلو عثرنا على المقيِّد للرقبة بالإيمان، فهل يبقى لقوله: أعتق رقبةً إطلاق بالنسبة إلى العلم والجهل مثلاً؟
قال في الكفاية:
ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده: مجرّد بيان ذلك وإظهاره وإفهامه، ولو لم يكن عن جد بل قاعدةً وقانوناً، لتكون حجةً فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه، لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يكون الظفر بالمقيَّد ـ ولو كان مخالفاً ـ كاشفاً عن عدم كون المتكلَّم في مقام البيان، ولذا لا ينثلم به إطلاقه وصحّة التمسّك به أصلاً. فتأمّل جيداً(1).
وحاصل كلامه: أن «البيان» الذي يعتبر في مقدّمات الإطلاق يختلف عن «البيان» الذي في قاعدة «تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح» أي عن وقت حاجة المخاطب، لأنه مناف للحكمة، وإلاّ فإنه عن وقت حاجة المتكلّم محالٌ، لأنه نقض للغرض ـ وذلك، لأنّ المفروض كون التكلّم في مقام بيان وإظهار مراده للمخاطب وإفهامه إيّاه، وإنْ لم يكن ذلك مراده الجدّي الواقعي، فلو ظفر فيما بعدُ على مقيَّد لم يضر بإطلاق كلامه، نعم، لو كان في مقام بيان الحكم الواقعي، ثم ظهر المقيِّد لكلامه، لوقع التنافي، لأنّه لم يبيّن المراد الواقعي مع كونه في مقام بيانه كما هو الفرض.
وعلى الجملة، فإنه إن كان في مقام بيان الوظيفة العملية في ظرف الشك حتى لا يبقى متحيّراً، ففي هذه الحالة ينعقد الإطلاق ولا يضرّ مجيء المقيّد لاحقاً إذا اُحرز كونه في هذا المقام، وأمّا إن كان في مقام بيان المراد الجدّي والحكم الواقعي، فالمقيّد اللاّحق يضرّ… والمقصود في مقدّمات الإطلاق هو الأول، لأنّ الغرض تأسيس أصالة الإطلاق ليكون مرجعاً لدى الشك في مراد التكلّم من كلامه.
وتلخّص عدم إضرار المقيّد الذي ظفر به فيما بعد.
وللشّيخ قدس سرّه هنا بيانٌ آخر وهو: إنّه لما كان المتكلّم في مقام بيان مراده الجدّي الواقعي، وكان لموضوع الحكم أو متعلّقه جهاتٌ عديدة كما في الرقبة مثلاً، والمفروض إحراز تلك الجهات بالوجدان أو بأصالة البيان، فلو وصل فيما بعد قيدٌ يضرّ بجهة منها، فإنّ الإطلاق من تلك الجهة يزول، ولا يضرُّ زواله به من الجهات الاخرى، فلو عثر على دليل يعتبر الإيمان، فإنه تخرج الرقبة عن الإطلاق من تلك الجهة لحصول المزاحم لانعقاده، وتبقى عليه من جهة العلم والجهل والذكورة والانوثة إلى غير ذلك، لعدم تحقق المزاحم له من جهتها.
(1) كفاية الاصول: 248.