الخامسة: (في المراد من «العبادة» و «المعاملة» في عنوان البحث)
ذكر صاحب (الكفاية) قدس سره(1) أن المراد بالعبادة ههنا: ما يكون بنفسه وبعنوانه عبادةً له تعالى، موجباً بذاته التقرّب من حضرته لولا حرمته، كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه. أو: ما لو تعلَّق الأمر به كان أمره أمراً عباديّاً لا يكاد يسقط إلاّ إذا اُتي به بنحو قربي كسائر أمثاله، نحو صوم العيدين والصّلاة في أيام العادة.
فهذان معنيان للعبادة في كلام المحقق الخراساني. أمّا الأوّل، فلا إشكال فيه إلاّ أنه تضييق لدائرة البحث، لأنّ العبادة الذاتية في الشريعة نادرة جدّاً، فيكون موضوع البحث منحصراً بما ذكره من السجود والخضوع… وأمّا الثاني، فالمقصود منه ما يقابل التوصّلي، فيكون المراد من العبادة في عنوان البحث هو الأعمّ من العبادة الذاتية والعبادة الشأنية، أي ما لو تعلّق الأمر به….
ثم إنه تعرّض لتعاريف فقال:
لا ما أمر به لأجل التعبّد به، ولا ما يتوقف صحّته على النيّة، ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء.
والتعريف الأول للشيخ(2) والثاني والثالث للميرزا القمي(3).
فأشكل عليها بقوله:
ضرورة أنها بواحد منها لا يكاد يمكن أن يتعلَّق بها النهي، مع ما أورد عليها بالانتقاض طرداً أو عكساً أو بغيره.
والحاصل عدم تماميّة التعريفات المذكورة، لورود الإشكال عليها بالنقض طرداً أو عكساً أو بالدور كما في التعريف الأول، لأخذ «التعبد» في تعريف «العبادة».
إلاّ أنه ذكر أن هذه التعريفات ليست بحدٍّ ولا رسم بل هي من قبيل شرح الاسم، فلا وجه للإطالة.
وأمّا «المعاملة»، فقد اختلف المراد منها في الكتب الفقهيّة، فقد تطلق في مقابل العبادة، فتكون أعم من العقود والإيقاعات والأحكام، لكنّ هذا الإصطلاح غير مراد هنا، لعدم تمشّي الصحّة والفساد في الأحكام. وقد تطلق في مقابل العبادة ويراد منها الإنشائيات، فتعمّ العقود والإيقاعات. وقد تطلق ويراد منها العقود فقط، لأنّ «المعاملة» ظاهرة في اعتبار الطرفين وهو في العقد دون الإيقاع… لكن الصّحيح أن يكون المراد هنا هو العقود والإيقاعات معاً، لجريان الصحّة والفساد ووقوع النهي في كلا القسمين.
(1) كفاية الاصول: 181.
(2) مطارح الأنظار: 157.
(3) قوانين الاصول: 154.