إشكالات المحقّق الإيرواني
وقد أورد عليه المحقّق الإيرواني بوجوه:
الأوّل: إنّ المفروض سقوط الأمر على أثر المزاحمة مع الواجب الآخر، فلو كانت المصلحة في نفس الأمر، فلا تبقى بعد سقوطه مصلحة حتى يُؤتى بالعمل بقصدها، فلا يتم ما ذكره من أنّ الشيء قد يكون متعلّقاً للأمر بنفسه.
والثاني: إن ما ذكره إنما يتمُ بناءً على مسلك العدليّة من تبعيّة الأحكام للملاكات في الواقعيات.
والثالث: إنّه مع المزاحمة لا تبقى مصلحة للأمر، فلو كان هناك مصلحة لما انتفى الأمر من الشارع.
جواب الأُستاذ عن هذه الإشكالات:
أمّا الأوّل، ففيه: إنّ مورد الكلام هو الضدّ العبادي كالأمر بالصّلاة والأمر بالإزالة، فلو سقط الأمر بالصّلاة على أثر المزاحمة ما انتفت مصلحة الصّلاة. فغاية ما يرد على المحقّق الخراساني أن كلامه أخصّ من المدّعى.
وأمّا الثاني، ففيه: إنّ صاحب الكفاية يتكلّم هنا على مبنى العدليّة.
وأمّا الثالث، ففيه: إنّ المقصود هو وجود المصلحة في متعلّق الأمر، وكون الأمر ذا مصلحة هو لوجود المصلحة في متعلّقه، إلاّ أنّ عدم القدرة هو المانع عن الأمر.
فظهر، اندفاع هذه الإشكالات إلاّ الأوّل كما ذكرنا.
تقرير آخر للإشكال والجواب عنه
وقد يقرّر الإشكال على ( الكفاية ) بوجه آخر(1) وهو: إنّ الأمر هو الكاشف عن الملاك كشف المعلول على العلّة، فإذا سقط على أثر المزاحمة انتفى الكاشف عن الملاك، وحينئذ، كما يحتمل أن يكون سقوط الأمر بسبب وجود المانع وهو عدم القدرة، كذلك يحتمل أن يكون بسبب عدم المقتضي وهو الملاك، ومع هذا الاحتمال كيف يقطع بوجود الملاك حتى يُقصد في العبادة ؟
لكنّه يندفع: بأنّ مفروض الكلام عدم وجود المخصّص اللفظي والعقلي في المقام، وعليه، فإنّه لا مانع من عموم الأمر إلاّ الأمر بالأهمّ المزاحم له… فكان المانع هو المزاحم الموجب لعدم القدرة على الامتثال، مع العلم بعدم دخل القدرة في الملاك، فمع لحاظ جميع هذه الجهات، ينحصر المانع بعدم القدرة على الامتثال مع وجود الملاك، فلا مجال لهذا الإشكال.
(1) محاضرات في أُصول الفقه 2 / 360.