أجاب في الكفاية
وأجاب المحقّق الخراساني(1): بأنّ بين الضدّين معاندة تامّة، لكنْ بين الضدّ وعدم الضدّ الآخر كمال الملاءمة، فالسواد والبياض متنافران، لكنْ بين البياض وعدم السواد تلاءم، وعليه، فكما أنّ الضدّين في مرتبة واحدة، كذلك وجود أحدهما وعدم الآخر في مرتبة واحدة، وإذا ثبت الاتحاد في المرتبة، انتفى تقدّم أحدهما على الآخر، والحال أنّ المقدّميّة لا تكون إلاّ مع الاختلاف في المرتبة.
وفيه: إنّه قد يكون بين الشيء والآخر كمال الملاءمة ولا اتّحاد في المرتبة، كما بين العلّة والمعلول، فإن بين وجودهما كمال الملاءمة وهما مختلفان في المرتبة.
والحاصل: إنّ مجرّد الملاءمة بين وجود الضد وعدم الضدّ الآخر لا يوجب اتّحاد المرتبة حتى تنتفي المقدميّة.
ثمّ قال:
فكما أنّ المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدّم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر، كذلك في المتضادّين.
أقول:
يحتمل أن يكون تكميلاً للوجه المذكور: بأنّه كما أنّ عدم السواد ـ المنافي للسّواد ـ في مرتبة واحدة معه، كذلك السواد والبياض.
أو يكون كما هو ظاهر السيد الأُستاذ(2) برهاناً آخر على عدم التمانع، بأنْ يكون جواباً نقضيّاً، من حيث أنّ المعاندة بين الضدّين ليست بأكثر من المعاندة بين النقيضين، فكما لا يعقل أن يكون الوجود مقدّمةً للعدم ـ مع كمال المنافرة بينهما ـ كذلك السواد والبياض. فلو كان مجرّد المنافرة موجباً لمقدميّة أحد الشيئين للآخر، كان وجود الشيء مقدمةً لعدم الشيء الآخر. وعلى الجملة: إنّه لو كان ملاك المقدميّة كمال المنافرة، فإنّ وجوده في المتناقضين أقوى منه في الضدّين، والحال أنّ المقدميّة بين المتناقضين مستحيلة.
ثمّ قال:
كيف ؟ ولو اقتضى التضادّ توقّف وجود الشيء على عدم ضدّه ـ توقّف الشيء على عدم مانعه ـ لاقتضى توقّف عدم الضدّ على وجود الشيء توقّف عدم الشيء على مانعه، بداهة ثبوت المانعيّة في الطرفين والمطاردة من الجانبين، وهو دور واضح.
أقول
وهذا ـ مع كونه جواباً عن دليل المشهور ـ برهانٌ على عدم المقدميّة بين الضدّين كما هو مختار المحقّقين المتأخّرين. وتوضيحه: لا ريب أنّ عدم المانع مقدّمة من مقدّمات الممنوع، فلو كان عدم أحد الضدّين من مقدّمات وجود الضدّ الآخر، كان وجود الضدّ موقوفاً وعدم الضدّ الآخر موقوفاً عليه، لكنّ هذه الحالة موجودة من الطرف الآخر أيضاً، لأنّ التمانع من الطرفين، فيكون وجود الضدّ مانعاً من عدم الضدّ الآخر، فعدم الضدّ الآخر موقوفٌ، ووجود الضدّ موقوف عليه… فكان عدم الضدّ الآخر موقوفاً وموقوفاً عليه، غير أنّ العدم شرط لوجود الضد، ووجود الضدّ سبب للعدم، وكون أحد الطرفين شرطاً والآخر سبباً غير مانع من لزوم الدور، لأنّ ملاكه التوقّف، وهو حاصل سواء كان على سبيل الشرطيّة أو السببيّة.
(1) كفاية الأُصول: 129.
(2) منتقى الأُصول 2 / 341.