المختار عند الأُستاذ
والمختار عند الأُستاذ: أمّا استحقاق العقاب، فلا ريب في ترتّبه على المخالفة والمعصية للمولى الحقيقي. وأمّا استحقاق الثواب على الطاعة، بمعنى أن يكون للعبد حق المطالبة، فهذا باطل، لأنّ القدرة على الطاعة وتحقّقها من العبد تفضّل منه، وهذه خصوصيّة المولى الحقيقي هذا أولاً. وثانياً: إنّ أوامر المولى ونواهيه كلّها ألطاف، لأنه بالامتثال لها يحصل له القرب من المولى، وهذا نفع للعبد المكلّف.
( قال ): لكنّ المهمّ هو معرفة المولى الحقيقي حق معرفته، وما عرفناه! كما قال تعالى ( وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )(1) ومن عرفه كذلك كان مصداقاً لقوله ( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ )(2) إذن، لابدّ أوّلاً من معرفة المولى معرفةً كاملةً، ومن حصلت له تلك المعرفة حصل عنده تقوى اللّه حقّ تقاته، أي أداء حق العبوديّة والقيام بالوظيفة على نحو الكمال.
ومن معرفته تعالى هو: أنْ نعرف أنّ عدم إعطائه الثواب على الأعمال الصالحة والطاعات ليس بلائق بشأنه… وتوضيح ذلك:
إنّا لا نقول بوجوب الثواب على الطاعة من حيث أنّها طاعة ولكون العبد مطيعاً، لأنّ العبد مملوك للمولى وطاعته إنّما كانت بحوله وقوّته وهي لطف منه ومنّة على العبد، ولا جزاء عليه حينئذ، بل نقول بوجوب الثواب من جهة المطاع، بمعنى أنّ عدم ترتّب الثواب على الطاعة غير لائق بهذا المولى، فالطاعة ـ من حيث أنّها طاعة ـ لا تستتبع وجوب الثواب، لكنّ عدم ترتّب الثواب عليها غير لائق بالمولى….
والدليل على هذا ـ قبل كلّ شيء ـ هو كلامه تعالى، ففي الكتاب آيات مبدوّة بكلمة « ما كان » ومعناها: عدم لياقة هذا الشيء لأن يتحقّق ويكون، سواء كان من اللّه أو الرسول أو سائر الناس… فمثلاً يقول تعالى: ( وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )(3) أي: إن هذا غير لائق بالمؤمنين وليس من شأنهم، بل إنّ المؤمنين يتّبعون ما أراده اللّه تعالى لهم وقضى في حقّهم، إذ لا يكون قضاؤه فيهم إلاّ حقّاً ومصلحةً لهم.
ويقول تعالى: ( وَما كانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلَّ )(4) أي: إن هذا لا ينبغي وغير صالح صدوره منه.
ويقول تعالى: ( وَما كُنّا مُهْلِكِي الْقُرى بظلم… )(5) فالظلم لا يليق بذاته المقدّسة، وكذا العذاب بلا بيان، إذ قال: ( وَما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً )(6).
وقد وردت الكلمة في آية تتعلّق بالبحث وهي ( وَما كانَ اللّهُ لِيُضيعَ إيمانَكُمْ )(7)فالآية دالّة على أنّ اللّه تعالى ليس من شأنه أن يضيع أعمال المؤمنين، ولا يليق به ذلك، ولذا قال بعد هذا: ( إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَحيمٌ ) وهو بمثابة التعليل، بمعنى أنّ الرؤف الرحيم على الإطلاق ـ ولعموم الناس ـ لا يليق به أن يضيع إيمان المؤمنين ويترك أعمالهم بلا ثواب وأجر.
والحاصل: إنّه ليس للعبد أن يطالب المولى الحقيقي بشيء من عمله، فإنّه إذا صلّى إطاعةً لأمر اللّه، فقد أتى بها بحول اللّه وقوته ( ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ )(8) وإذا صلّى حصلت له التزكية ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ )(9)وتلك منّة من اللّه عليه… فليس للعبد أن يحتج بشيء على اللّه، لا من ناحية نفسه ولا من ناحية عمله… لكنّ مقتضى شأن ربوبيّته وأُلوهيّته التي أشار إليها بـ( هو )في ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ )(10) و( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ )(11) أن لا يجعل العمل بلا أجر، وكذا مقتضى صفاته ( وهو الرؤف الرحيم ) فللعبد أن يقول له: « أنت كما وصفت نفسك »(12) « اللّهمّ إن لم أكن أهلاً لأنْ أُبلغ رحمتك فرحمتك أهل أن تبلغني وتسعني »(13) فيطلب منه الأجر والثواب من هذا الباب.
هذا تمام الكلام على ترتّب الأثر على الواجبات والمحرّمات النفسية.
وأمّا الواجب الغيري، فقد ذهب المحقّقان الخراساني والإصفهاني إلى عدم استحقاق الثواب على موافقة الأمر الغيري والعقاب على مخالفته.
(1) سورة الأنعام: 91.
(2) سورة آل عمران: 102.
(3) سورة الأحزاب: 36.
(4) سورة آل عمران: 161.
(5) سورة القصص: 59.
(6) سورة الإسراء: 15.
(7) سورة البقرة: 143.
(8) سورة الكهف: 39.
(9) سورة العنكبوت: 45.
(10) سورة التوحيد: 2.
(11) سورة آل عمران: 18.
(12) مصباح المتهجد، دعاء صلاة الحاجة: 331.
(13) مفاتيح الجنان: في التعقيبات العامة للصلوات.