كلام الكفاية
إنه قد نفى المحقق الخراساني(1) البُعد عن أن تكون صيغة الأمر دالّة على الوجوب بالدلالة الوضعيّة، واستدلّ على ذلك بالتبادر، وأيّده بسيرة العقلاء، وأنهم لا يقبلون اعتذار العبد إذا خالف الأمر عندما لا توجد قرينة.
ثم ناقش صاحب (المعالم) قدّس سرّه في قوله(2) بأنّ الصّيغة مستعملة في أخبارنا في الندب بكثرة، وذلك يمنع من التمسّك بأصالة الحقيقة للحمل على الوجوب، بل يكون من المجاز المشهور، ومقتضى القاعدة في مثله هو التوقّف… فأجاب المحقق الخراساني:
أوّلا: إن استعمال الصّيغة في الوجوب أيضاً كثير، فكثرة استعمالها في الندب لا توجب نقلها عن الوجوب أو حملها على الندب.
وثانياً: إنّ كثرة الإستعمال إنما توجب الحمل أو تستلزم التوقّف فيما إذا كانت بدون قرينة، وأمّا إذا كانت موارد استعمالها مصحوبة بالقرينة، فمثل هذا الإستعمال وإنْ كثر فلا يثبت المجاز المشهور، ليلزم التوقّف عن حمل الصيغة المجرّدة عن القرينة على الوجوب… ومن المعلوم أنّ الصيغة في الأدلّة الشرعيّة متى دلّت على الإستحباب فهي مقرونة بالقرينة اللّفظيّة أو الحاليّة على الندب.
وثالثاً: إنّ ما ذكره صاحب (المعالم) قدّس سرّه منقوضٌ بكثرة تخصيص العمومات حتى قيل: ما من عام إلاّ وقد خُص، فلو كانت كثرة الإستعمال في غير المعنى الموضوع له اللّفظ موجبةً لنقل اللّفظ عن معناه الحقيقي، أو حمله على غير معناه، أو التوقّف، لزم سقوط أصالة العموم، وهو كما ترى… فما نحن فيه كذلك.
(1) كفاية الأصول: 70.
(2) معالم الدين: 48.