إشكال الاستاذ
قال شيخنا دام بقاه:
أمّا حمله كلام المحقّق الخراساني على مسلكه ففيه: إن في عبارة (الكفاية) ما يمنع عن الحمل المذكور، وذلك أنه مثَّل ـ لكون الإنشاء موجداً للملكيّة ومخرجاً لها عن فرض الفارض ـ بإيجاد الملكيّة في مورد الحيازة، فإنّه قد ورد في مباحث كتاب إحياء الموات أنَّ «من حاز ملك»، وهو ظاهر في كون الحيازة سبباً لوجود الملكيّة، وليس وجودها بالوجود اللّفظي والجعلي. وأيضاً: فقد تقرّر في كتاب الإرث أنّ «ما ترك الميّت من مال أو حقّ فلوارثه» فالملكيّة الحاصلة قهراً للوارث بموت مورّثه ليست بالوجود الجعلي والإعتباري…
ومع وجود هذه الجملة في كلام المحقّق الخراساني كيف يحمل كلامه على ما ذهب إليه؟
وأيضاً، فقد صرَّح المحقّق الخراساني، في مقام بيان حقيقة الإنشاء في الترجّي والتمنّي… بأنّ المعنى المنشأ بالصيغة في ظرف الإنشاء وجود جزئي، لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد، والوجود مساوق للتشخّص، إلاّ أنه ـ أي المعنى في نفس الوقت كلّي.
ولا ريب أنّ هذا مطلب معقول، كما لو تصوّرنا الإنسان النوعي، والحيوان الجنسي، فإنه من حيث وجوده شخصي، للقاعدة المذكورة، مع أنّ النوع والجنس كليّان، وصيغة الإنشاء كذلك، فقولك: «ملّكتك» أو قولك: «صلّ» يدلّ على معنى جزئي هو المنشأ لك بهذا اللّفظ، لكنّه كلّي أيضاً، لأن القضايا الحقيقيّة تنحلّ وتتعدّد بعدد الموضوعات… مع كون الإنشاء واحداً.
وهكذا، فمن الممكن إيجاد الملكيّة الكليّة بإنشاء واحد، فإنّه معنى كلّي، مع أنه من حيث وجود الإنشاء جزئي، كما في قوله تعالى: ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ )(1) حيث أن ملكيّة الخمس من جهة هذا الإنشاء جزئيّة، لكن الملكيّة معنىً كلّي، والمالك هو طبيعي المسكين من بني هاشم.
وإذا كان المحقق الخراساني يصرِّح بما ذكرناه، فكيف يحمل كلامه على مبنى المحقق الإصفهاني من أن الإنشاء إيجاد المعنى بعين وجود اللّفظ، إذ يستحيل تصوّر كليّة المنشأ حينئذ، لأن وجود اللّفظ حقيقي شخصي، فهو جزئي.
وتلخّص: إن كلامه غير قابل للتنزيل على مسلك المحقّق الإصفهاني.
وأمّا إشكاله عليه: بأن إيجاد المعنى بالوجود الخارجي أو الذهني غير مسبب عن وجود اللّفظ، لعدم كون اللّفظ في سلسلة علل الوجود الذهني ولافي سلسلة علل الوجود الخارجي، فالتحقيق عدم وروده عليه، لأنّه يقول بوجود المعاني الإنشائية وجوداً اعتباريّاً، ومن المعقول ثبوتاً أنْ يعتبر العقلاء سببيّة اللّفظ للوجود الإعتباري، فيمكن أن يقع في سلسلة علل وجوده، فصحيح أنّ وجود الطلب في عالم الذهن يرجع إلى التصوّر، ووجوده خارجاً يرجع إلى المصلحة والغرض، ويكون العلم بالغرض علةً للوجود الخارجي التكويني للطلب في النفس، لكنّ الكلام في الوجود الإعتباري، ولا مانع من أن يعتبر العقلاء اللّفظ ـمثل بعت ـ سبباً للمعنى وهو الملكيّة الإعتبارية، بحيث تدور الملكيّة في عالم الإعتبار وجوداً وعدماً مدار وجود الصيغة وعدمها.
فما ذكره المحقق الخراساني أمر معقول، ولا يرد عليه ما ذكر.
نعم، إنّ هذا الإعتبار بحاجة إلى دليل في مقام الإثبات.
وتلخّص: إن البحث مع صاحب (الكفاية) يرجع إلى مقام الإثبات، فالقول بأنّ ما ذهب إليه غير معقول، غير صحيح، فلا يمكن المساعدة على ما جاء في (نهاية الدراية) وفي (المحاضرات)(2).
وأمّا مختار المحقق الإصفهاني من أنّ حقيقة الإنشاء إيجاد المعنى بعين وجود اللّفظ، فسيأتي الكلام عليه.
هذا تمام الكلام على مبنى المحقّق الخراساني.
(1) سورة الأنفال: 42.
(2) نهاية الدراية 1/274 ـ 275، محاضرات في أصول الفقه 2/125.