كلام المحقق الإصفهاني
وللمحقق الإصفهاني في هذا المقام كلام دقيق ، وحاصله : إنّ السّلب يعتبر تارةً : بالحمل الأوّلي الذّاتي ، وهو السّلب المفهومي ، واخرى : يعتبر بالحمل الشائع . فإنْ اعتبر بالحمل الأوّلي ، كان اللاّزم سلب ما ارتكز في الأذهان أو تعارف في عرف أهل اللّسان من المعنى الجامع ـ لا من خصوص ما انقضى عنه المبدء ، فإنّ سلبه لا يستدعي السلب عن الجامع ـ ويكون هذا السّلب علامة المجاز ، وحيث أنه بلحاظ المفهومين ، فلا حاجة فيه إلى التقييد بالزمان ، كي يورد عليه بما ذكره المحقق الرشتي .
وإنْ اعتبر السّلب بالحمل الشّائع ، فتارةً : يلحظ الزمان قيداً للسّلب ، وهو علامة عدم الوضع للجامع ، وإلاّ لما صحَّ سلبه عن مصداقه في حين من الأحيان ، واخرى : يلحظ المسلوب عنه في حال الإنقضاء ويسلب عنه مطلقاً مطلق الوصف ، وثالثة : يلحظ المسلوب في حال الإنقضاء فيسلب عن الذات مطلقاً ، فإن ما لا أماريّة لصحّة سلبه هي المادّة المقيّدة ، فإن عدم كونه ضارباً بضرب اليوم لا ينافي كونه فعلا ضارباً بضرب الأمس ، بخلاف الهيئة المقيَّدة ، فإنّ عدم كونه ضاربَ اليوم ـ ولو بضرب الأمس ـ ينافي الوضع للأعم .
فإذن ، تصحُّ أماريّة صحة السلب مقيّداً للمجازيّة ، سواء كان القيد قيداً للسلب أو المسلوب أو المسلوب عنه .
وأمّا ماذكره المحقّق الرشتي ـ وسلّم به المحقق الخراساني ـ من أن القيد إنْ رجع إلى المسلوب ـ أي الضارب ـ فلا أماريّة ، فإنّما يسلّم به فيما إذا كان للوصف بلحاظ حال الإنقضاء فردان ، فإنّ سلب أحد الفردين لا يستلزم سلب المطلق ، لإمكان وجوده في الفرد الآخر ، مع أنّ المدّعى كون الوصف في حال الإنقضاء فرداً في قبال حال التلبّس ، فإنْ صحّ سلبه في حال الإنقضاء فقد صحَّ سلبه بقول مطلق ، لانحصاره فيه .
فيسقط إشكال المحقق الرشتي ، وكذا تسليم المحقق الخراساني .
ثم جعل يردُّ على المحقق صاحب ( الكفاية ) قائلا :
والتحقيق : عدم خلوص كلّ ذلك عن شوب الإشكال ، لأنّه أفاد أن قيد « الآن » يمكن إرجاعه إلى المسلوب عنه « زيد » ويكون أمارةً على المجازيّة في الأعم ، وكذا إنْ رجع إلى نفس السّلب ، فقال المحقّق الإصفهاني : بأنّ « زيداً » المسلوب عنه غير قابل للتقيّد بالزّمان ، لعدم معنىً لتقيّد الثابت وتحدّده بالزمان ، فإنه مقدَّر الحركات والمتحرّكات ، وأما الثوابت والجوامد فلا تقدَّر به حتى بناءً على القول بالتجدّد في الجوهر .
قال : وأمّا تقييد السلب ، فغير سديد ، لأنّ العدم غير واقع في الزمان ولو كان مضافاً إلى شيء ، لأنّ الزمان ليس مقداراً لكلّ موجود مهما كان ، بل هو مقدار للموجودات التي فيها الحركة والتصرّم ، فلا يصحُّ جعل « الآن » قيداً لـ « ليس »(1) .
(1) نهاية الدراية 1 : 197 ـ 199.