الأجوبة عن الإشكال
1 ـ أجاب في ( الكفاية ) بأنه لا يبعد أنْ يكون لكلّ من الماضي والمضارع بحسب المعنى خصوصيّة اخرى توجب الدلالة على المضيّ في الماضي ، وعلى الحال والإستقبال في المضارع .
لكنْ ما المراد من الخصوصيّة ؟
ذكر السيد الحكيم(1) ما حاصله : أنّها خروج المبدء من القوّة إلى الفعل في هيئة الفعل الماضي ، وعدم خروجه في هيئة الفعل المضارع .
وهذا يرجع إلى ماذكره المحقق المشكيني من أن هيئة الماضي موضوعة للنسبة التحققّية ، وهيئة المضارع موضوعة للنسبة التوقعيّة .
فهذه هي الخصوصية في كلّ منهما .
وهذا الجواب ـ كما ذكر شيخنا دام ظلّه ـ إنّما يفيد في الزمانيّات فقط ، وفيها يتصوّر القوّة والفعل ، أما بالنسبة إلى ذات الباري سبحانه ، وكذا سائر المجرّدات ، فلا يعقل الخروج من القوّة إلى الفعل ، إذ المجرّد حقيقته الفعل ولا تشوبها القوّة أصلا ، فما ذكرا في توجيه جواب المحقق الخراساني يستلزم الإلتزام بالمجاز في جميع موارد إطلاق صيغ الماضي والمضارع في كافّة المجرّدات . وهذا هو المحذور المتوجّه على كلام النحاة .
2 ـ وأجاب في ( نهاية الدراية )(2) أمّا بالنسبة إلى الزمان والزمانيّات ، فبإنّ هيئة الماضي موضوعة للنسبة المتّصفة بالتقدّم ، وهيئة المضارع موضوعة للنسبة المتّصفة بالحاليّة أو المستقبليّة ، والتقدّم والتأخّر في الزمانيّات يكون بالعرض ، وفي نفس الزمان بالذات ، وقولنا : مضى الزمان الفلاني ، ويأتي الزمان الفلاني ونحو ذلك ، كلّه حمل حقيقي وليس بمجاز أصلا .
وأمّا بالنسبة إلى ذات البارئ سبحانه ، فإن إطلاق الماضي والمضارع إنّما هو من جهة أن معيّة الحق سبحانه مع الموجودات معيّة القيوميّة ، وهذه المعيّة مع الموجود السابق سابقة ، ومع اللاّحق لاحقة ، فالسّبق واللّحوق غير مضافين إليه تعالى ، بل هما مضافان إلى ما يقوم به ، فكان إطلاق الماضي والمضارع بالنسبة إليه بلحاظ هذا السبق واللّحوق .
وأورد عليه شيخنا : بأنا لمّا نقول « علم الله » و « يعلم الله » ونحو ذلك ، نستعمل الهيئة في نفس الذات المقدّسة ، لا في السابق أو اللاحق الذي كان مع الله ، فلا مناص له إلاّ الإلتزام بالمجاز والعناية ، وهو كرّ على ما فرّ منه .
3 ـ وأجاب في ( درر الاصول )(3) بما حاصله :
أوّلا : إن الفعل الماضي موضوع لمضيّ المادّة التي تحت هيئة الماضي ، بالنسبة إلى حال الإطلاق ، بدليل قولهم : مضى الزمان .
وفيه : إن « مضى » فعل ماض ، والمبدء فيه : « م ، ض ، ي » فإذا كانت الهيئة في الماضي دالّةً على المضي ، كان الكلام : مضى المضي ، وهذا غلط .
وثانياً : إن الفعل المضارع موضوع للمستقبل ولا دلالة له على الحال .
وفيه : إن لازم هذا الكلام الإلتزام بالمجاز في قوله تعالى : ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الاَْرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا )(4) وقوله : ( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ )(5)ونحوهما من الآيات وغيرها المراد فيها الحال لا المستقبل .
على أن ماذكره خلاف المشهور من أن المضارع موضوع للجامع بين الحال والمستقبل .
4 ـ وأجاب في ( المحاضرات )(6) بأنّ مدلول هيئة الفعل الماضي هو قصد المتكلّم وقوع المادة في الزمان السابق على التكلّم ، ومدلول هيئة الفعل المضارع قصده وقوعها بعد زمان التكلّم ، أللهم إلاّ إذا قامت قرينة على الخلاف … فليس معنى الهيئة وقوع المادّة قبل زمان التكلّم أو بعده ، نعم ، في الزمانيّات لابدّ من وقوع المادّة قبله أو بعده ، لكنَّ هذا من لوازم الموجودات الزمانيّة ، وليس مدلول الهيئة . وعلى ذلك ، فليس مدلول قول القائل « علم الله » مثلا تحقّق علمه سبحانه قبل زمان التكلّم ، بل إخبار المتكلّم عن قصده علم الله قبل زمان تكلّمه ، بداهة أن علمه تعالى لا ينقسم إلى قبل وبعد زمان التكلّم .
وأورد شيخنا دام ظلّه على هذا الجواب : بأنّه يبتني على مسلك صاحبه في المعنى الحرفي ، من أن الحروف ـ وكذا الهيئات ـ موضوعة لإيجاد التضييقات في المعاني الاسمية ، فإذا أخبر المتكلّم عن علم الله سبحانه وقصد تضييق إخباره أبرز قصده بهيئة الفعل الماضي أو بهيئة الفعل المضارع … وقد تقدّم الكلام على هذا القول في محلّه ، لكن الإشكال هنا هو : إنه لا ريب أن معاني الهيئات معان حرفيّة ، والمعاني الحرفيّة ـ تختلف سنخاً وجوهراً عن المعاني الاسميّة ـ وإن اختلفوا في كيفية هذا الإختلاف وحقيقته ـ وعليه ، فلا يعقل أن يكون « القصد » هو المعنى الذي تدلُّ عليه الهيئة ، لأنه ـ أي القصد ـ معنىً اسمي ، كما لا يخفى .
(1) حقائق الاصول 1/102 ط البصيرتي .
(2) نهاية الدراية 1/181 .
(3) درر الاصول 1/60 ط جامعة المدرّسين .
(4) سورة سبأ : 2 .
(5) سورة التغابن : 4 .
(6) محاضرات في اصول الفقه 1/247 .