الوجه الثالث
إنّ الأزمنة والآنات وإنْ كانت وجودات متعدّدة متعاقبة متّحدة بالسنخ ، ولكنّه حيثما لا يتخلّل بينها سكون ، فالمجموع يعدّ عند العرف موجوداً واحداً مستمرّاً ، نظير الخطّ الطويل من نقطة إلى نقطة معيّنة ، فبهذا الإعتبار يكون أمراً واحداً شخصيّاً مستمرّاً من أوّله إلى آخره ، فيصدق عليه كلّما شك فيه : إنه شك في بقاء ما علم بحدوثه ، فيشمله دليل حرمة النقض .
وحينئذ ، فبعين هذا الجواب نجيب عن إشكال المقام أيضاً ، حيث أمكن لنا تصوّر أمر قار وحداني ، يتصوَّر فيه الإنقضاء ، بمثل البيان المزبور ، وإنْ بلغ تلك الأفراد المتعاقبة ما بلغ ، إلى انقضاء الدهر .
فإنّ مناط الوحدانيّة حينئذ إنما هو بعدم تخلّل السكون ، فيما بين تلك الأفراد ، فما لم يتخلَّل عدمٌ بينها يكون المجموع موجوداً واحداً شخصيّاً مستمرّاً .
نعم ، ذلك إنما هو فيما إذا لم تكن تلك القطعات المتعاقبة من الزمان مأخوذةً موضوعاً للأثر في لسان الدليل ، معنونةً بعنوان خاص ، كالسنة والشهر واليوم والساعة ، ونحوها ، وإلاّ فلابدَّ من لحاظ جهة الوحدانيّة في خصوص ما عنون بعنوان خاص من القطعات ، فيلاحظ جهة المقتليّة مثلا في السنة أو الشهر أو اليوم أو الساعة ، بجعل مجموع الآنات التي فيما بين طلوع الشمس مثلا وغروبها أمراً واحداً مستمراً ، فيضاف المقتليّة إلى اليوم والشهر والسنة . فتدبّر .
قاله المحقق العراقي(1) .
قال شيخنا دام ظلّه :
أوّلا : كيف يعقل الوجودات في الزمان ؟ إن القول بأن للزمان أجزاء ووجودات يستلزم القول بالآن في الخارج ، وبالجزء الذي لا يتجزّأ ، وبطلان الجوهر الفرد ، والجزء الذي لا يتجزأ ، ضروري عند أهله ، بل الزمان وجود واحد لكنّه متصرّم في ذاته .
وثانياً : إنّ الزمان وإنْ كان واحداً ، إلاّ أن هذه الوحدة لا تنفع في اسم الزمان ، لأنه لو كان الزمان باقياً كما قال ، إمّا عرفاً وإمّا عقلا ، لعدم تخلل العدم ، كان يومنا هذا مقتل الحسين ، مبعث الرسول ، لأن المفروض بقاء الذات وهو واحد شخصي ، فيلزم صدق هذه العناوين على كلّ يوم من الأيام ، وهو باطل ، لما تقدّم من أن « مقتل الحسين » ـ مثلا ـ هو تلك الحصّة الخاصّة من الزمان ، فالزمان وإنْ كان واحداً مستمرّاً ، لكنْ ليس كلّ قطعة منه يسمّى باسم مقتل الحسين ، ومن الواضح تصرّم تلك القطعة وزوال تلك الحصّة ، ولا أثر لوجود أصل الزمان .
وثالثاً : إن في كلامه تناقضاً ، فهو من جهة يقول : الزمان وجودات وأفراد ، ومن جهة اخرى يقول : هو واحد شخصي .
وتلخّص : إن هذا الجواب أيضاً غير مفيد .
(1) نهاية الأفكار 1 ـ 2 : 129 ط جامعة المدرّسين.