جواب المحقق الخراساني
فأجاب باختيار الشقّ الأخير ، لسلامته عن اشكال تقدّم ماهو المتأخّر ، وعن إشكال الترادف ، ويبقى إشكال سقوط البراءة ، فأجاب بجريانها ، لأن العنوان وإن كان في نفسه بسيطاً لا أقلّ وأكثر له ، إلاّ أنه متّحد مع الأجزاء والشرائط بنحو من الإتحاد ، ولما كانت مردّدة بين الأقل والأكثر كانت البراءة جاريةً بلا إشكال .
قال شيخنا :
إذن ، فمختار المحقق الخراساني كون الجامع بسيطاً لا مركّباً ، ويكون المحذور منحصراً بعدم جريان البراءة ، وقد أجاب عنه بما تقدّم . وتوضيحه : إنه إن كانت النسبة بين العنوان البسيط ومتعلّق التكليف نسبة السبب والمسبب ، كالنسبة بين الغسلات والمسحات وبين الطّهارة ـ بناءً على أنّ الطهارة وهي عنوان بسيط هي المأمور به ـ فهنا يرجع الشك إلى المحصّل ، وهو مجرى قاعدة الإشتغال . وأمّا إنْ لم يكن العنوان البسيط المأمور به مسبّباً عن أجزاء المركّب ، بل كان متّحداً معها فلا مناط للإشتغال ، بل مع الشك في الأكثر تجري البراءة .
وفيما نحن فيه ، يكون عنوان « الصحيح » هو ملزوم « المطلوبيّة » وهذا العنوان ليس نسبته إلى الأجزاء نسبة « الطهارة » إلى « الغسلات والمسحات » بل هو خارجاً متّحد مع أجزاء المركّب ووجوده عين وجودها ، فمتعلّق الأمر حينئذ هو المعنون بعنوان الصحيح ، وهو الموجود في الخارج ، ويتردّد أمره بين الأقل والأكثر ، وتجري البراءة بلا إشكال .
فالجامع هو الصحيح ، وهو البسيط الماهوي ، والبراءة أيضاً جارية .
فهذا حاصل ماذكره الشيخ والمحقق الخراساني .
لكنْ يرد عليه :
أوّلا :
إنه كيف يكون اتّحاد الواحد البسيط مع المركّبات المختلفة ؟
لقد ذكر أنهما يتّحدان نحو اتّحاد ، لكنّ الإتّحاد لا يخلو إمّا هو اتّحاد الماهيّة مع الوجود ، وهذا لا مورد له هنا ، وإمّا الإتحاد بين الأمر الإنتزاعي مع منشأ انتزاعه في الوجود ، وإمّا الإتّحاد بين الكلّي والأفراد ، وهذان منتفيان أيضاً هنا ، فلقد صوّر صاحب ( الكفاية ) الإتحاد بين الجامع الواحد البسيط ، وبين المركّبات المختلفات ، إذْ « الصلاة » مشتملة على مقولات مختلفة كالوضع والكيف والأين ـ بناءً على دخولها في الصلاة ـ وهي مركّبة من أجزاء ، فمقولة الكيف مثلا فيها هي القراءة وهي مركّبة من أجزاء .
فمع وجود هذا الإختلاف المقولي ، ومع وجود التركيب ، فإنّه يلزم إمّا تركّب البسيط ـ وهو الجامع المفروض ـ وإمّا بساطة المركّب ، إمّا وحدة الكثير وإمّا كثرة الواحد ، وكلاهما محال ، لأن النسبة بين البساطة والتركّب وبين الوحدة والتعدّد والإختلاف ، هي نسبة التقابل ، واتّحاد المتقابلين محال .
وعلى الجملة ، فإن كلامه في المقام ـ حيث صوّر الجامع الواحد البسيط بين أفراد الصلاة ، والإتحاد بينه وبينها بنحوِ اتّحاد ـ يستلزم محالين : إتّحاد البسيط مع المركّب ، وإتّحاد البسيط الواحد مع المقولات المختلفة .
وثانياً :
إن الجامع المحتمل هنا لا يخلو عن أحد أقسام ثلاثة : فإمّا هو الجامع العنواني ، وإمّا الجامع النوعي ، وإمّا الجامع الجنسي . أمّا الأوّل فغير مقصود منه ، لأن الجامع العنواني غير قابل للاتّحاد مع المعنون ، لأن موطنه هو الذهن فقط ، مثل عنوان « مفهوم النسبة » لـ « لواقع النسبة » . وأمّا الثاني والثالث فكذلك ، لأن أجزاء الصّلاة أنواع من أجناس مختلفة ، فالرّكوع من مقولة الوضع والقراءة من مقولة الكيف ، والمقولات أجناس عالية ، وإذا كانت أجناساً عالية فالجامع الجنسي غير ممكن ، ومع عدم إمكانه لا مورد لاحتمال الجامع النوعي . فما هو الجامع الذي تصوّره جامعاً بسيطاً متّحداً مع المركّبات نحو اتّحاد ؟
وثالثاً :
إن المقصود تصوير الجامع بناءً على الصحيح ، وهذا مستحيل ، لأنّ كونه على الصحيح يعني أخذ جميع الخصوصيّات ، وكونه جامعاً يعني إلغاء الخصوصيّات ، مثلا : صلاة المسافر متقوّمة بخصوصيّة « بشرط لا » بالنسبة إلى الركعتين ، وصلاة الحاضر متقوّمة بخصوصيّة « بشرط شيء » بالنسبة إليهما ، فكيف يصوَّر الجامع بينهما مع حفظ الصحّة ؟ كيف يجمع بين رفض الخصوصيّات وأخذها ؟
ولا يخفى ورود هذا الإشكال ، سواء كان الجامع ذاتيّاً كما عليه المحقق الخراساني ، أو عرضيّاً كما عليه الشيخ الحائري وتبعه السيد البروجردي . وسيأتي ذكره .
ورابعاً :
إن الغرض من الوضع هو التفهيم ، فباستعمال اللّفظ يتمّ إحضار المعنى إلى الذهن ويتحقّق التفهيم ، والوضع لمعنىً مستخرج ببرهان فلسفي لا يصلح لأنْ يكون سبباً لإحضار المعنى في الذهن وحصول التفهيم ، وكيف يأتي إلى أذهان المتشرّعة معنى « معراج المؤمن » و « الناهي عن الفحشاء » و« عمود الدين » من لفظ « الصّلاة » ؟
إن هذا التصوير لا يناسب عرف المتشرّعة .
وهذا الإشكال يرد على التصويرات الآتية أيضاً.