القول بالتمايز بالمحمولات:
وأمّا القول بكون التمايز بالمحمولات ، فقد اختاره السيد البروجردي ، وعليه حمل كلام القدماء ، قال : « الحق مع القدماء حيث قالوا : إن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ، إذ المراد بموضوع العلم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ، وليس هو إلاّ عبارة عن جامع محمولات المسائل الذي يكون تمايز العلوم بتمايزه »(1) .
وقد مهّد لتوضيح هذا القول خمس مقدمات ، ولعلَّ عمدة كلامه في بيان مرامه هو : « إن جامع محمولات المسائل في كلّ علم هو الذي ينسبق أوّلا إلى الذهن ويكون معلوماً عنده ، فيوضع في وعاء الذهن ، ويطلب في العلم تعيّناته وتشخّصاته التي تعرض له ، مثلا : في علم الإلهي بالمعنى الأعم يكون نفس الوجود معلوماً لنا وحاضراً في ذهننا ، فنطلب في العلم تعيّناته وانقساماته اللاحقة له ، من الوجوب والإمكان … فصورة القضيّة وإنْ كان هو قولنا : الجسم موجود مثلا ، ولكن الموضوع حقيقةً هو عنوان الموجودية ، وكذلك في علم النحو ، فإنّ أوّل ما ينسبق إلى ذهن المتتبّع لاستعمالات العرب إنما هو إعراب آخر الكلمة ، فيطلب في علم النحو الخصوصيات التي بسببها يتحقّق الإعراب واختلافاته ، فالموضوع حقيقةً في « الفاعل مرفوع » هو وصف المرفوعية ، وكذا في غير هذا المثال .
فالحاصل : إن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ، أعني بها جامع محمولات المسائل ، وتمايز المسائل بتمايز الموضوعات فيها » .
وهذا الذي ذكرناه عنه هو عمدة كلامه رحمه الله وربما يوجد بين هذا الكلام ، وماذكره في المقدّمة الأولى ـ حول موضوع علم الإلهيات بالمعنى الأعم ـ منافاة ، ومن هنا أشكل الشيخ الاستاذ على المقدّمة الأولى ، فراجع ، ولكنّ هذا الكلام إنّما يتمّ في علم الاصول فقط ، حيث أنّ المتبادر إلى الذهن فيه والذي يبحث عن تعيناته هو « الحجّة » ، إلاّ أنّ الواقع في سائر العلوم هو أخذهم الشيء موضوعاً ثمّ بحثهم عن خصوصياته وتعيّناته ، فالموضوع في علم الحساب هو « العدد » وفي علم النحو « الكلمة والكلام » وفي الإلهيّات بالمعنى الأعم هو « الوجود » باتّفاق الفلاسفة ، فلم يكن « الوجود » عندهم محمولا أصلا ، ونسبة القول بكون الموضوع هو الجامع بين المحمولات إلى القدماء غير تامّة كما ذكر شيخنا الاستاذ دام ظلّه .
(1) نهاية الاصول : 8 .