رأي المشهور
أمّا « الذاتي » منه ، فالمشهور على أنّه ما كان خارجاً عن الذات ، لكنه لاحق للذات وثابت له باقتضاء جوهر الذات . وذهب جماعة من المتأخّرين ـ وتبعهم المحقق صاحب ( الكفاية ) ـ إلى أنّ العرض الذاتي مالا واسطة له في العروض ، في مقابل ماله واسطة فيه ، ففي قوله رحمه الله « أي بلا واسطة في العروض » إشارة إلى اختيار هذا القول خلافاً للمشهور .
ثم إنّ المشهور قسّموا ما كان باقتضاء جوهر الذات إلى قسمين :
أحدهما : ما كان باقتضاء جوهر الذات بلا واسطة في العروض ، وسمّوه بالعارض الذاتي الأوّلي ، كعروض الناطق على الحيوان ، حيث أنه خارج عن ذات الحيوان محمول عليه ، ولا واسطة في هذا الحمل والعروض واللحوق ، اِذ علّة لحوق الفصل للجنس ليس إلاّ الجنس ، وعلّة لحوق الجنس للفصل ليس إلاّ الفصل .
وثانيهما : ما كان باقتضاء جوهر الذات لكن مع الواسطة في العروض ، والواسطة :
تارةً : أمر مساو للموضوع داخلي ، وهذا منحصر بالفصل ، مثاله : التعجّب العارض على الإنسان بواسطة أمر مساو داخلي وهو الناطق ، لأن الإنسان متعجّب بعلّة كونه ذا نفس ناطقة .
واُخرى : أمر مساو له خارجي ، ومثاله : الضاحك العارض على الإنسان بواسطة التعجّب ، والتعجّب واسطة خارجية مساوية للإنسان .
قالوا : وما كان غير ذلك فهو عرض غريب ، فالأعراض الغريبة ثلاثة :
ما كان خارجاً عن الذات عارضاً عليه بواسطة أمر أعم ، وهو تارةً : داخل في الذات ، مثل « الحيوان » يكون واسطة لعروض الإرادة على الإنسان ، والحيوان أعم من الإنسان ، واُخرى : خارج عن الذات ، « كالجسم » يكون واسطة لعروض التحيّز على الأبيض ، والجسم أعم من الأبيض . فهذا قسمان .
وما كان خارجاً عن الذات عارضاً عليه بواسطة أمر خارجي أخص . وهذا هو القسم الثالث من أقسام العرض الغريب ، كالتعجّب العارض على الحيوان بواسطة الإنسان ، والإنسان أخص من الحيوان .
وعلى الجملة ، فهنا تعريفان ، أحدهما للمشهور ، وهو أن موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ، أي عمّا يلحق الموضوع باقتضاء ذاته ، إمّا بلا واسطة وإمّا بواسطة أمر مساو ، سواء كان المساوي داخليّاً أو خارجياً . والثاني : ما اختاره صاحب ( الكفاية ) من أنّ موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه العارضة عليه بلا واسطة .
ويظهر الفرق بين المسلكين في علم الاصول في كثير من المسائل ، فمثلا نقول : هل الأمر بالشيء ، الوارد في الكتاب والسنّة ، يقتضي النهي عن ضدّه الخاص أو العام ؟ فاقتضاء النهي أو استلزامه يعرض على الأمر ، فعلى مسلك المحقق الخراساني يكون هذا العروض بلا واسطة ، ويكون الاقتضاء حقيقيّاً وبلا عناية ، أما على مسلك المشهور ، فإنّ هذا العروض إنما هو بواسطة أمر أعم ، لأنّ ذلك لا يختص بالأمر الكتابي بل كلّ أمر كذلك ـ بناءً على القول به ـ سواء وقع في الكتاب أو لا ; وكذا في السنّة ، فهناك عروض بواسطة أمر أعم ، والعارض على الشيء بواسطة الأمر الأعم من العوارض الغريبة عندهم كما تقدّم .
وأيضاً : لايلزم بناءً على مذهب صاحب ( الكفاية ) أنْ يكون العروض باقتضاء ذات المعروض ، إذ الملاك عندهم هو أن لا تكون واسطة في العروض ، وعليه ، فالحجيّة تثبت للخبر مثلا ، لعدم الواسطة في عروضها عليه ، مع أنها ليست باقتضاء ذاته.
Menu