المختار في المقام
فتلخّص مما ذكرنا:
أن الاستدلال بقاعدة الاتلاف لضمان المنافع غير المستوفاة لا يتم، لأنها موجودة بالقوّة وغير متلفة، وانتفاع المالك غير متحقّق حتى يتلف، فهو سالبة بانتفاع الموضوع.
نعم، الذي تحقّق إتلافه هو مالية المنفعة، فللبائع بدل الحيلولة بالنسبة إلى تلك المدّة التي حال المشتري دون مالية المنفعة فيها، فيضمن بدل مالية الشهر أو الشهرين والسنة أو السنتين.
ولا يقال: إنّ المنفعة موجودة بالقوة، وهي عبارة عن حيثيّة قابلية العين للانتفاع بها، وهي حقيقة واحدة بسيطة، فكيف تضاف إلى الشهر والشهرين وهكذا؟
لأنها وإنْ كانت حقيقةً واحدة بسيطة إلاّ أنّها تتكثّر بالإضافات، فيقال: منفعة يوم، أو شهر، أو سنة، وهكذا، فكلّ أمر بسيط يتخصّص ويتكثّر بتكثّر الإضافات، نظير النور، فيقال نور الغرفة ونور الشارع وهكذا، وهذا ما يعبّر عنه اصطلاحاً بالوحدة في الكثرة، حيث أنه واحد بالحقيقة وكثير بالعرض.
فظهر أنّ الصحيح ثبوت ضمان الإتلاف للماليّة في الزمان المعيّن، لكنْ على تفصيل، وذلك:
لأنّ المتعاملين إمّا عالمان بفساد العقد أو جاهلان به أو البائع عالم والمشتري جاهل أو بالعكس.
أمّا إن كانا عالمين أو كان البائع عالماً، فلا شبهة في عدم الضّمان، لأنّ المفروض تسليم البائع ملكه للمشتري مع علمه بالفساد، فيكون إتلاف الماليّة مستنداً إليه، سواء كان تسليمه من باب التشريع أو عدم المبالاة بالحكم الشرعي وهو فساد العقد.
وإنْ كانا جاهلين بالفساد ويعتقدان صحة العقد، فالإتلاف مستند إلى كليهما على حدٍّ سواء، غير أنه بالنسبة إلى البائع بالتسبيب وبالنسبة إلى المشتري بالمباشرة، وحينئذ يشك في ضمان المشتري والأصل العدم.
وإنْ كان البائع جاهلاً بالفساد و المشتري عالماً به، فكالصّورة الثالثة، حتى لو كان تسليم البائع عن خطأ لا عن اعتقاد بصحة العقد، لأن نسبة الإتلاف إلى كليهما واحدة على كلّ تقدير.
فما ذهب إليه المحقق الثاني من عدم الضمان مطلقاً هو المتعيّن من بين الأقوال بحسب القواعد.
ويؤّيده ما في صحيحة أبي ولاّد الآتية، إذ أنّ الإمام عليه السّلام لم يحكم عليه إلاّ بضمان الاُجرة من الكوفة إلى النيل ومنها إلى بغداد ومنها إلى الكوفة، مع أنه قد فوّت على المالك منافع كثيرة في تلك المدّة كما لا يخفى]1[.
]1[ وبقي الكلام في الأخبار. قال الشيخ:
مضافاً إلى الأخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية المسروقة المبيعة، الساكتة من ضمان غيرها في مقام البيان، وكذا صحيحة محمّد بن قيس الواردة في من باع وليدة أبيه بغير إذنه، فقال عليه السلام: الحكم أن يأخذ الوليدة وابنها وسكتت عن المنافع الفائتة. فإن عدم الضمان في هذه الموارد ـ مع كون العين لغير البائع ـ يوجب عدم الضمان هنا بطريق أولى.
أقول:
والحاصل: إن هذه الأخبار تدلّ على عدم الضّمان بالإطلاق المقامي، والأوضح دلالةً منهما هو الأوّل لأنه عليه السلام قال فيه: «ويعوّضه بما انتفع» وسكت عمّا لم ينتفع، لكنّ الإشكال فيه ـ بعد إعراض الأصحاب عن هذه الأخبار، إذ قالوا بثبوت الضّمان في المقام ـ عدم تماميّة سنده، فأبو عبداللّه الفرّاء لا توثيق له.
Menu