2 ـ قاعدة الإقدام

2 ـ قاعدة الإقدام
وأمّا قاعدة الإقدام على الضمان، كما استدلّ الشيخ في المبسوط وتبعه بعض الفقهاء، فإنْ اُريد أنّ الإقدام بما هو هو سبب للضمان كما هو ظاهر عباراتهم، فهو ساقطٌ جدّاً، وإنْ اُريد أنّ الإقدام على الضّمان يرفع مجانيّة اليد، فهو لا يكون سبباً للضمان إلاّ بمعنى رافعيّته لجهة المجانيّة فتؤثّر اليد أثرها، وهذا هو مرادهم يقيناً، فاليد مقتضية للضمان، ويمنع عنه المجانيّة، وحيث أن العقد الذي أقدم عليه معاوضي، فالتسليط ليس مجانيّاً، وحينئذ يثبت الضمان بقاعدة اليد.
قال الشيخ:
وهذا الوجه لا يخلو عن تأمّل… .
أقول:
أشكل الشيخ على الاستدلال بقاعدة الإقدام بأنه:
أوّلاً: إنه لا دليل شرعي على الضّمان لأنهما أقدما… على ضمان خاص… والمفروض عدم إمضاء الشارع… .
وثانياً: إنّ دليل الإقدام منقوض طرداً وعكساً، لأنّ معنى قاعدة الإقدام هو: أنه كلّما كان هناك إقدام على الضمان فالضّمان ثابت، وكلّما لم يقدم فيه على الضمان فلا ضمان، وكلتا الكليّتين منتقضتان، لأن النسبة أعم من وجه، إذ قد يكون الإقدام موجوداً ولا ضمان، كما إذا تلف المبيع قبل القبض في البيع الفاسد، إذ لم يقل أحدٌ بضمان المشتري، لا بالعوض المسمّى ولا بالعوض الواقعي، وإنْ كان مقدماً عليه.
وفيه:[1]
[1] هذه مناقشة الإشكال الثاني، ولم يتعرّض للإشكال الأوّل، وأمّا ما في تعليقة المحقق الخراساني من أنه «يمكن أن يقال: بأنهما أقدما على أصل الضمان في ضمن الإقدام على ضمان خاص، والشارع إنما لم يمض الضمان الخاص لا أصله. مع أن دليل فساد العقد ليس بدليل على عدم إمضائه فافهم لكنْ لا دليل على كون الإقدام سبباً للضمان أصلاً»(1) فقد أجاب عنه تلميذه المحقق الإصفهاني بقوله:
«المراد من الإقدام هو الإقدام العقدي، والإقدام العقدي تسبّب قصدي لا قهري، وليس المُقدَم عليه حينئذ إلاّ مصبّ العقد ومورده القصدي وهو التمليك بالمسمّى. وأمّا انتزاع طبيعي الإقدام من إقدامه الخاص، وطبيعي التعويض من تعويضه الخاص، وطبيعي المعوّض والعوض من العوضين المخصوصين، فطبيعيّات انتزاعيّة بوجود مناشئ انتزاعها، لا أنها مورد العقد ومصبّه القصدي»(2).
وأمّا قوله: «مع أن دليل فساد العقد…» وحاصله: إن الدليل الدال على فساد العقد لا يدلّ على عدم إمضاء الضّمان الخاصّ أو أصل الضّمان، ففيه: أنه إذا دلّ الدليل على فساد العقد فإنه يدلّ بالالتزام على عدم الضّمان الخاص أيْ المسمّى. ولو أراد الدلالة على فساد أصل الضّمان، فهو موقوفٌ على ثبوته ثم دعوى دلالة فساد العقد على فساده، والحال أنّ أصل ثبوت الضّمان بقاعدة الإقدام أوّل الكلام كما نصّ هو عليه أيضاً.

إنّ مراد الشهيد الثاني(3) تبعاً للشيخ أنّ الإقدام جزءٌ للعلّة لا تمامها، والجزء الآخر هو الأخذ والقبض، ولذا صرّح بالأخذ وقال: «هو إقدام الآخذ»، وحيث أنّ المفروض عدم حصوله، فالنقص غير وارد، لعدم ثبوت الضمان بالإقدام وحده.
بل إنّ كون مرادهم ما ذكرناه هو صريح كلام الشيخ نفسه حيث قال قبل ذلك: «وإمّا لأنه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض، ولذا علّل الضمان الشيخ وغيره بدخوله على أن تكون العين مضمونةً عليه، ولا ريب أنّ دخوله على الضمان إنما هو بإنشاء العقد الفاسد، فهو سبب لضمان ما يقبضه…».
هذا في النقض الأوّل.
ونقض ثانياً فقال:
وقد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقق الضمان، كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع على البائع إذا تلف في يد المشتري، وكما إذا قال: بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا اجرة. نعم، قوىّ الشهيدان في الأخير عدم الضمان، واستشكل العلاّمة… .
أقول:
ذكر موردين: أحدهما: أنْ يشترط المشتري ـ في البيع الفاسد ـ على البائع أن يكون ضامناً للمبيع إذا تلف، أي في يد المشتري.
إلاّ أنّ هذا الضمان إنما جاء من ناحية الشرط، ولا علاقة له بالإقدام وعدمه.
والثاني: البيع بلا ثمن، والإجارة بلا اُجرة، فإنه فاسدٌ عند الشيخ وموجب للضّمان.
إلاّ أنّ البيع بلا ثمن يقع على صور:
منها: أنْ يبيع بشرط سقوط الثمن الثابت به في ذمّة المشتري، فالمراد من «بلا ثمن» أي: بلا أداء الثمن، بأن يسقط بعد ثبوته.
ومنها: أنْ يبيع بشرط أن لا يكون في البين ثمنٌ.
ومنها: أن يبيع بلا ثمن، قاصداً الهبة من البيع.
ومنها: أن يقصد البيع مع قصد عدم الثمن.
والأخير باطل، لأن الثمن ركن، والجمع بين البيع وعدم الثمن تناقض.
والذي قبله صحيحٌ، بناءً على صحّة العقد باللّفظ المجازي، والمفروض أنه قصد من لفظ «البيع» معنى «الهبة» مع إقامة القرينة على ذلك ولو فرض فساده، إذ لا ضمان في الهبة.
وأمّا الثاني، فيرجع إلى أحد الأخيرين.
وأمّا الأوّل، فلا إشكال في صحته.
فالنقض غير وارد.

(1) حاشية المكاسب: 31.
(2) حاشية المكاسب 1 / 312.
(3) مسالك الأفهام 4 / 56.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *