الدليل الثالث من أدلّة الضمان:
قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده
قال الشيخ:
ثم إن هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة: كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده…، فإنه علّل الضمان في غير واحد من العقود الفاسدة بأنه دخل على أن يكون المال مضموناً عليه… .
أقول:
وهذه القاعدة غير واردة في رواية، بل لم توجد بهذه العبارة في كلام من تقدّم على العلاّمة، قال: فإذا فسد الرهن وقبضه المرتهن لم يكن عليه ضمان، لأنه قبضه بحكم أنه رهن، وكلّ عقد كان صحيحه غير مضمون ففاسده كذلك… فلأن من أثبت اليد عليه…(1).
وفي المبسوط التعليل: بأنه دخل على أنْ يكون المال مضموناً عليه… وجب عوض المثل لما تلف في يده…(2).
يعني: أنه لمّا اشترى الشيء، اشتراه بنحو الضّمان ببدل المسمّى، فالإنسان لمّا يقدم على المعاملة فهو ملتزم بالضمان، فإذا ظهر فساد العقد انتفى المسمّى، ولكنّ أصل الضمان باق، وكذا البائع.
فلابدّ من التحقيق في هذه القاعدة، وقد استدلّ بها الشيخ رحمه اللّه تعالى في المقام. لكون المقبوض بالعقد الفاسد من صغرياتها، فهو يريد أنّ الضمان الثابت بقاعدة اليد ضمان بالاقتضاء لا بالعليّة، لعدم وجود الضّمان في بعض الموارد مع وجود اليد.
المراد بالعقد في هذه القاعدة
قال الشيخ:
إن المراد بالعقد أعمّ من الجائز واللاّزم بل ممّا كانت فيه شائبة الإيقاع أو كان أقرب إليه، فيشمل الجعالة والخلع… .
أقول:
إنما احتاج إلى هذا البيان، لأنه عبّر بـ«كلّ عقد يضمن…»، ولو عبّر بـ«كلّ ما يضمن…» كما في كلام بعض الفقهاء لما احتاج إليه، كما لا يخفى، وعلى كلّ حال، فالقاعدة تشمل كلّ العقود، سواء الجائز منها واللاّزم، بل تشمل ما فيه شائبة الإيقاع كالجعالة، فلو قال: من ردّ عليّ ضالّتي فله هذا، ثم تبيّن أن هذا ملك للغير، فسدت الجعالة وكان ضامناً، لأن الجعالة الصحيحة فيها الضمان، وعليه دفع البدل. أو كان أقرب إلى الإيقاع كالطلاق الخلعي، فلو تبيّن فساده كانت المرأة ضامنةً، لثبوت الضمان في الخلع الصحيح.
فحاصل كلام الشيخ: إن قاعدة اليد اقتضائية ويتوقف تأثيرها على عدم المانع، ففي كلّ مورد لا يضمن بصحيحه لا يثبت الضمان باليد.
(1) تذكرة الفقهاء 2 / 32 الطبعة القديمة.
(2) المبسوط 2 / 149.