الإشكال في الاستدلال بتلك النصوص

أقول:
فاستدلّ بما ورد في أنه لو اشترى جاريةً، ثم علم بعد أنْ أولدها بكونها مسروقةً، فإنها ترجع إلى مالكها ويأخذ الرّجل ولده لكنْ يعطي قيمته لمالك الأمة، وفي بعض الروايات يدفع إليه مالاً عوضاً عن انتفاعاته بها واستخدامه لها. وهذا هو النص:
عن أبي عبداللّه عليه السلام: «في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجئ مستحق الجارية. فيه: قال يأخذ الجارية المستحقّ ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه»(1).
وعن زرارة: «قلت لأبي عبداللّه عليه السّلام رجل اشترى جارية من سوق المسلمين، فخرج بها إلى أرضه، فولدت منه أولاداً، ثم إن أباها يزعم أنها له وأقام على ذلك البيّنة. قال: يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها»(2).
دلّت هذه النصوص على وجوب تسليم الجارية إلى صاحبها واسترداد الثمن من السّارق، ودفع قيمة الولد واُجرة خدمة الجارية إلى مالكها. وقد ذكر الشيخ وجه الاستدلال بقوله:
فإنّ ضمان الولد بالقيمة ـ مع كونه نماءً لم يستوفه المشتري ـ يستلزم ضمان الأصل بطريق أولى.
أقول:
وأمّا الاستدلال بالأخبار الواردة في الأمة المسروقة، من جهة أن ضمان الولد بالقيمة هو من باب التلف، وضمانه مع كونه نماءً لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الاُمّ بطريق أولى، ففيه:
إن الكلام في المقبوض بالعقد الفاسد من أيّ جهة كان، فهي مسألة كليّة، وقيام الدليل على الضّمان من جهة الغصبية لا يكون دليلاً على ثبوته في مطلق موارد العقد الفاسد، لاحتمال خصوصيّة في الغصب، وعليه، فثبوت الضمان في قضيّة الجارية المسروقة لا يكون دليلاً لثبوته في المدّعى الكلّي، فالأولويّة ممنوعة.
هذا أوّلاً.
وثانياً: وجه استظهار التلف هنا دون الإتلاف، هو أنه لم يتلف شيئاً، وإنما واقع الأمّة وحَمَلت منه وولدت، بل المورد كالتالف، قال الشيخ:
وليس استيلادها من قبيل إتلاف النماء، بل من قبيل إحداث نمائها غير قابل للملك، فهو كالتالف لا المتلف فافهم.
أي: إنه لمّا كانت حريّة الولد بحكم الشّارع يكون كالتالف.
لكنّ الظاهر أنه إتلاف، لأنّ في رحم المرأة ـ كما يقول أهل الاختصاص ـ شيئاً إذا ورد عليه ماء الرجل يحصل اللقاح بينهما وتنعقد النطفة، وعليه، فلمّا كانت الأمة مملوكة للغير كان ما في رحمها ملكاً له، فإذا واقع الرجل الحرّ الأمة وأولدها، فقد أتلف ما كان يملكه المالك لها في رحمها. وأمّا بناءً على أنّ الولد مادام في رحمها فهو رق ويكون حرّاً إذا ولد، فالأمر أوضح، إذ كان هذا الرجل الحرّ هو السبب في خروج الولد حرّاً، فيكون متلفاً لمال الغير، فالضمان ضمان الإتلاف، ولا أقل من تردّد الأمر بين التلف والإتلاف.
فلا يتم الاستدلال بهذه النصوص لما نحن فيه.
ثم إنه قد كان في بعض أخبار مسألة الأمة المسروقة «قيمة ما انتفع»، وقد فسّر زرارة ذلك بقيمة الولد، وهذا اللّفظ أيضاً يؤيد ما استظهرناه من كون المورد إتلافاً، فإنّ الانتفاع بملك الغير قد يستلزم الإتلاف على المالك[1].
[1] وشرح المطلب هو: أن الشيخ استدلّ للضمان في المأخوذ بالعقد الفاسد بهذه الرواية بطريق الأولويّة، لأنّه إذا كان ضامناً لقيمة الولد فضمان الاُم. أولى بالضّمان. فأشكل على الاستدلال بوجوه، الأوّل: إنها أخصّ من المدّعى. والثاني: منع الأولويّة. والثالث: كونها في مورد التلف ـ وهو محلّ بحثنا ـ أوّل الكلام، ولذلك اختلفت أنظار الفقهاء.
فالشيخ على أنّها ظاهرة في التلف، وتبعه المحقق النائيني ـ وإن خالفه في وجه الاستدلال ـ حيث قال: «ويدلّ على الحكم المذكور ـ أعني الضمان ـ الخبر الوارد في الأمة المبتاعة، حيث أن الحكم بضمان قيمة الولد يدلّ على ضمان الأصل أيضاً، لكون الولد من تبعات الأصل ومتفرّعاته، فيكون ضمانه تابعاً لضمانه. وما ذكرنا من الاستدلال بطريق الفرعية أولى ممّا استدلّ به في الكتاب بطريق الأولويّة، لإمكان منع الأولويّة»(3).
والمحقق الإصفهاني على أنّها ظاهرة في الإتلاف(4) وتبعه السيّد الجدّ.
والمحقق الإيرواني على أنها محتملة للتلف والإتلاف كليهما(5).
وذكر المحقق النائيني احتمالاً آخر وهو ضمان الاستيفاء، نظير ما إذا أكل خبز الغير مثلاً، فإنه باستيفائه يضمن قيمته (قال): فإن كان من قبيل الاستيفاء فضمان المنفعة المستوفاة لا يستلزم ضمان العين كما هو واضح(6).
لكنّ السيّد الجدّ لم يتعرّض للاحتمال الأخير، بل إنه بعد التنزّل عن «الاتلاف» جعل الخبر مردّداً بينه وبين التلف.

وتلخّص: سقوط الدليلين المذكورين عن الدلالة على الضمان، أمّا الأوّل فللسند، وأمّا الثاني فللدلالة.
ولكنّ الظاهر كون قاعدة اليد من القواعد المسلّمة عند الفقهاء[2]، فهل استكشفوها من السيرة العقلائية أو من بيانات المعصومين عليهم السلام؟
[2] لأنّ ذلك ظاهر كلمة «لقوله صلّى اللّه عليه وآله» ونحوها، خاصّةً في كتاب الغصب:
يقول: ابن ادريس: «من غصب صاجةً فأدخلها في بنائه لزمه ردّها، وإن كان في ذلك قلع ما بناه في ملكه لمثل ما قدّمناه من الأدلّة، من قوله عليه السلام: لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه، وقوله عليه السلام أيضاً: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(7).
ويقول العلاّمة بوجوب ردّ المغصوب مطلقاً: لقوله صلّى اللّه عليه وآله: على اليد…(8).
ويقول الشهيد: يجب ردّ المغصوب إجماعاً، لقوله صلّى اللّه عليه وآله…(9).
ويقول صاحب الرياض: «مضافاً إلى عموم: على اليد ما أخذت…»(10).
ويقول صاحب الجواهر: «يجب ردّ المغصوب إلى مالكه إجماعاً، ولقوله صلّى اللّه عليه وآله: على اليد…(11).

قال الأردبيلي بشرح قول العلامة: والمأخوذ بالعقد الفاسد مضمون:
المدرك للضمان قاعدة اليد، وقاعدة ما يضمن… ولا دليل عليهما، والأصل يقتضي العدم، وهو مع الجهل بالفساد قوي(12).

(1) وسائل الشيعة 21 / 205، باب حكم ما لو بيعت الأمة بغير إذن سيّدها…، الرّقم: 5.
(2) نفس المصدر، الرّقم: 4.
(3) المكاسب والبيع 1 / 297.
(4) حاشية المكاسب 1 / 304.
(5) حاشية المكاسب: 93.
(6) المكاسب والبيع 1 / 297 ـ 298.
(7) السرائر 2 / 484.
(8) تذكرة الفقهاء 2 / 33 الطبعة القديمة.
(9) الدروس 3 / 109.
(10) رياض المسائل 8 / 514 و 9 / 160.
(11) جواهر الكلام 37 / 76.
(12) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 192.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *