الثالث: إنّ العقد المتضمّن للتعليق غير مشمول لآية الوفاء.
قلت: كأنه من باب أنّ كلّ عام أو مطلق اسند إليه حكم يختص ببعض الأفراد يكون مخصّصاً، كما قال الشيخ في مباحث الإستصحاب(1): أن لفظ «أحد» وإن كان يعمّ الأحياء والأموات، ولكن إذا قلت: «لا تضرب أحداً»، فبما أنّ «الضرب» يقتضي الإيلام، وهو غير متحقق في الميت، كان النهي المذكور مختصّاً بالأحياء، فالموضوع وإن كان بحسب الظاهر عامّاً أو مطلقاً، يكون مقيداً.
وفيما نحن فيه: إن ظاهر الأمر بالوفاء هو الفعليّة، والفعليّة تنافي التعليق، فالآية مقيّدة بما يكون الوفاء به فعليّاً، ولا تشمل العقود التعليقيّة.
وبعبارة اخرى:
سواء كان وجوب الوفاء في الآية حكماً تكليفياً أو وضعياً، فإنّ الحكم لا يتخلّف عن موضوعه، فإن لم يكن في العقد تعليق، فبمجرد تحقق العقد يتوجه إليه الحكم بالوفاء، وإنْ كان معلّقاً على شيء لم يتوجّه، فالعقد موجود والحكم غير منطبق، والحال أن الحكم لا يتخلف عن موضوعه، إذن، يجب الوفاء حيث لا تعليق، فالأمر بالوفاء خصّ متعلّقه وحصره بما ليس فيه تعليق. فآية الوفاء لا تشمل العقود التعليقية.
وبعبارة ثالثة:
إن دليل صحة العقد عبارة عن آية الوفاء، وهي لا تعمّ العقد التعليقي، فلا دليل على صحته، والأصل العدم. وجه عدم عمومها له هو: إنّ حكم الموضوع إلى الحكم حكم العلّة إلى المعلول، ولا يعقل تخلف الحكم عن الموضوع، فإذا تحقق الموضوع يلزم تحقق الحكم.
الموضوع هنا هو «العقد» والحكم «وجوب الوفاء» أي ترتيب الأثر، وهو وجوب مطلق غير مشروط، فلا محالة يكون الموضوع هو العقد غير المعلّق، ولو كان معلّقاً استحال أنْ يكون حكمه مطلقاً، فمن عدم تقيّد الحكم في الآية نستكشف عدم تقيّد الموضوع وهو العقد، وإلاّ يلزم تخلّف الحكم عن موضوعه.
والجواب:
إن هذا مبني على أنْ يكون المراد من (أَوْفُوا) ترتيب الأثر، وأمّا إنْ كان المراد هو ترتيب المقتضى على المقتضي، فمعنى الآية: هو العمل بمقتضى العقد، فإنْ كان منجزاً، اقتضى ترتيب الأثر بالفعل، وإن كان معلّقاً اقتضى ترتيب الأثر على حسب التعليق ومقتضاه.
فالآية المباركة على عمومها، ووجوب الوفاء مطلق لا مشروط، وقد وقع الاشتباه في معنى «الوفاء»[1].
[1] وهذا البيان في جواب الوجه الثالث ـ وهو لصاحب الجواهر رحمه اللّه ـ أوفى من جواب الشيخ رحمه اللّه عنه، وقد اكتفى السيّد الجدّ طاب ثراه بهذا الجواب ولم يتعرّض لسائر أجوبة الشيخ، ولعلّه لعدم خلوّها من البحث والنّظر، فراجع.
على أن هناك موارد كثيرة لا يترتب فيها الأثر بمجرّد وقوع العقد، ففي بيع الصّرف وكذا في الوقف والهبة مثلاً: لا تحصل الملكية إلا بعد القبض، ولا يقول أحد بأن أدلّة هذه الموارد مخصّصة لعموم الآية، والسّر في ذلك هو ما ذكرناه من معنى «الوفاء».
(1) فرائد الأصول 3 / 79.