فـرعٌ: حكم ما لو أوقعا العقد بلفظ مشترك ثم اختلفا

فـرعٌ
حكم ما لو أوقعا العقد بلفظ مشترك ثم اختلفا
قال الشّيخ:
لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الإيجاب والقبول، ثم اختلفا في تعيين الموجب والقابل، إمّا بناءً على جواز تقديم القبول وإمّا من جهة اختلافهما في المتقدّم، فلا يبعد الحكم بالتحالف، ثم عدم ترتّب الآثار المختصّة بكلٍّ من البيع والاشتراء على واحد منهما.
أقول:
لو تلفّظ كلاهما بلفظ مشترك ولا مايز ـ كأنْ يكون ما بيد أحدهما نقداً فيفهم أنه المشتري ـ فقالا: «شريت» مثلاً، فادّعى كلّ منهما أنّه البائع مثلاً، أو ادّعى كلّ منهما أنه المتقدّم ولا بيّنة له على دعواه بناءً على وجوب تقدّم الايجاب على القبول، أمّا بناءً على جوازه، فيقع النزاع ولا أثر للبيّنة، لأنّه تابع للقصد ولا يعلم إلاّ من قبله، فما هو الحكم الرّافع للنزاع؟
بل يقع النّزاع مع وقوع الألفاظ المختصّة أيضاً، فيقول أحدهما «بعت» والآخر «قبلت»، ثم يدّعي كلٌّ منهما أنه القائل «بعت».
قال الشيخ: لا يبعد الحكم بالتحالف.
وأقول:
إنْ كان ميزان الترافع أنْ يدّعي كلٌّ شيئاً لنفسه فينكر دعوى الآخر بالملازمة، فالمورد مصداقٌ له، وحكم التداعي هو التحالف وإذا حلفا تساقطا. وأمّا إن كان الميزان هو الأثر ـ لا مجرّد الدعويين الثبوتيين الدّالّين بالملازمة على الإنكار ـ كما هو المختار في محلّه على ما ببالي، فلا يكون الحكم الكلّي هو التحالف.
وعلى الجملة، فإنه ليس الحكم في جميع الموارد هو التحالف كما ذكر الشيخ قدس سرّه، وتوضيحه:
لو كان بيد أحدهما متاع وبيد الآخر حيوان، فإنْ قلنا بثبوت خيار الحيوان لكليهما ـ كما عليه السيد المرتضى(1) ـ لا لصاحبه فقط، فهما بالخيار، والنزاع مرتفع، وإنْ قلنا بثبوته لأحدهما الذي بيده الحيوان، فله الأخذ بالخيار ويرتفع النزاع، وإنْ قلنا بثبوته للمشتري دون البائع، كان المشتري مدّعياً للخيار والبائع منكراً له، فلا تداعي.
إذنْ، لا تداعي فيما لو كان أحد العوضين حيواناً.
نعم، لو كان العوضان كلاهما حيواناً، وقلنا بثبوت الخيار للمشتري فقط، وقع التداعي، إذ يدّعي كلٌّ منهما أنه المشتري.
وأيضاً: إذا تبايعا وتلف مال أحدهما قبل القبض وتنازعا فقال أحدهما: أنا المشتري، ولمّا تلف الثمن منّي فأنا ضامن ببدله، وقال الآخر: أنت البائع، فالمعاملة باطلة، لأن كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع، ابتنيت المسألة على ما إذا كان القبض شرطاً ضمنيّاً للزوم المعاملة، فإذا تعذّر تحقّق الخيار لمن لم يقبض، فلا تنازع أصلاً، أوْلا بل يبطل العقد ويكون المرجع هو القاعدة المتّخذة من الرواية كما في المستدرك: «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه»(2) ـ وهي وإنْ كانت ضعيفةً سنداً، لكنّ المشهور عملوا بها، وقد قرّرنا في الاصول أنّ عمل قدماء الأصحاب بخبر ضعيف إنْ أفاد الوثوق بصدوره ولو مضموناً لا لفظاً، يوجب له الاعتبار والحجيّة، وعليه، فلو قال من تلف ماله للآخر: أنا المشتري والتالف هو الثمن، فالمعاملة باقية وعليّ دفع البدل وأنّ الذي بيدك ملك لي، فقال: لا، بل أنا المشتري، والذي تلف هو المبيع ومقتضى التعبد بالخبر بطلان المعاملة، كان أحدهما مدّعياً للانفساخ والآخر منكراً له.
نعم، هناك نزاعٌ آخر والأمر بالعكس، وهو في الضّمان بالبدل ـ مثلاً أو قيمةً ـ فالذي تلف ماله قبل القبض يدّعي الضمان والآخر منكر، إلاّ أنّ هذا النزاع متأخر رتبةً عن ذاك، فإذا فَصَل الحاكم بينهما بحسب الموازين ارتفع النزاع الثاني.
وكيف كان، فالمورد من قبيل المدّعي والمنكر لا من التّداعي.

(1) أنظر: جواهر الكلام 23 / 24.
(2) مستدرك الوسائل 13 / 303، الباب 9 من أبواب الخيار، الرّقم: 1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *