في النكاح؟
والنّكاح في اللّغة العقد، يقال: تناكحت الأشجار، أي تعاقدت، وهذا المعنى يقبل الاعتبار الوضعي، فهل يتحقّق ذلك بالاضطجاع مع الأجنبيّة بقصد إنشاء الزوجيّة معها؟ ربما يقال بذلك، لكن لا يجوز النكاح في الشرع بلا لفظ، ولا أثر للمعاطاة فيه، بل لقد اعتبر الشارع فيه اللّفظ الخاص.
وربما يتوهّم: أنه لا يعقل تحقيق معنى الزوجيّة بالاضطجاع الخارجي، لأن حليّة الاضطجاع متوقفة على الزوجيّة، والمفروض تحقيقها بالاضطجاع، فحليّته موقوفة على الزوجيّة وهي متوقّفة على الاضطجاع، وهذا غير معقول، لأنَّ الحكم له حيثيّة السببيّة لوجود المتعلَّق، فلا يعقل تأخّره عنه. وبعبارة اُخرى: ارتفاع حرمة الاضطجاع مع الأجنبيّة منوط بالزوجيّة، فلو اُنيطت الزوجيّة بالإضطجاع الخارجي، لزم أن يكون الموضوع رافعاً لحكمه، وتوضيحه:
إنّ الحكم في مرحلة التعلّق معلولٌ للمتعلّق، لأنّ الملاك قائم بالمتعلّق، والحكم معلول للملاك، فهو معلول للمتعلّق في مقام نفس الأمر، لكنّ وجود المتعلَّق خارجاً مسبّب عن الحكم والحكم سبب له، مثلاً: وجوب الصّوم معلول للملاك، ولكنْ في مقام الوجود الخارجي للصّوم يكون الوجوب هو الموضوع للوجود، إذْ لولا الوجوب لما وجد، فالمتعلّق في الخارج معلول للحكم، فلا يعقل أنْ يتوقّف الحكم على وجود متعلّقه.
وتلخّص: إن هذا يكون محذوراً عقليّاً لتحقيق الزوجيّة بالفعل، وهو الاضطجاع.
هذا هو الوهم.
ويندفع: بما ذكرناه مراراً من أنّ الاختلاف بين السّبب والمسبّب يكون بتخلّل الفاء فقط، وليس بينهما اختلاف في الزمان، وفيما نحن فيه: الحليّة متعلّقة بالمضاجعة التي تتحقّق بها الزوجيّة في آن واحد، فقبل التحقّق الخارجي للمضاجعة المقصود بها الزوجيّة، كانت المضاجعة محلّلةً في الاعتبار الشّرعي، لا أنّ الحليّة منوطة بالتحقّق الخارجي للمضاجعة، فلا يلزم الدّور.
ثم إنّه لابدّ من تعميم البحث، ليشمل الإيقاعات أيضاً، فنقول:
إنّ جريان المعاطاة في العقود والإيقاعات يبتني على عدم وجود الدليل الشرعي على اعتبار اللّفظ فيها، وكذا عدم قيام البرهان العقلي على امتناع جريانها فيه، فإنه ـ مع عدم وجود الدّليل على اعتبار اللفظ وعدم البرهان على الامتناع ـ مقتضى القاعدة هو الجريان، لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ونحوه. فإنْ كان الدليل على العموم هو السّيرة، فقد يشكل بعدم قيامها في بعض الموارد.
وهذه قاعدة كليّة تنطبق على كلّ فعل خارجيّ معنون بالعنوان المقصود، وإلاّ فلا وجه للبحث عنه.
لكنْ يقع البحث في تشخيص المصاديق، من حيث وجود الدّليل الشّرعي أو البرهان العقلي على الإمتناع.
وقد ذكرنا وجود الدّليل الشّرعي على اعتبار اللّفظ في النّكاح، وأنه لا يتحقّق إنشاؤه بالمضاجعة، ولولاه لقلنا بجريان المعاطاة فيه، لعدم البرهان العقلي على امتناعه، وقد عرفت الجواب عن الوجه العقليّ المذكور.
Menu