القاعدة الثالثة
قوله:
ومنها: كون التصرّف من جانب مملّكاً للجانب الآخر، مضافاً إلى غرابة استناد الملك إلى التصرّف.
أقول:
فالغرابة من جهتين: أمّا الجهة الأولى فهي: أنْ يكون تصرّف أحدهما التصرّف المخرج عن الملكيّة ـ كالبيع ـ سبباً لتملّك الآخر لما في يده، وهذا ليس بغريب فقط بل هو مستحيل، لأنّه إذا باع ما أخذه بالمعاطاة، فقد أوجد ببيعه السّبب لملكيّة نفسه ولملكيّة غيره، فيلزم اجتماع الضدّين في آن واحد، وإذا أعتق ما أخذه بالمعاطاة، فقد أوجد بتصرفه العتقي ما يكون سبباً لملكيّة نفسه وللخروج عنها، فيلزم اجتماع النقيضين، ولو أوقفه فاللاّزم اجتماع الضدّين، إنْ كان الوقف تمليكاً، أو اجتماع النقيضين إنْ كان تحريراً.
وأمّا الجهة الثانية، فبيانها: إنه لو تصرّف أحدهما، فإن بقي الشيء في الجانب الآخر على إباحته، لزم جواز رجوع المتصرّف في إباحته، لأنّ كلّ مباح فيجوز أن يسترجعه المبيح، فيكون الشيء الذي كان ملكاً له بالتصرّف قد دخل في ملكه مجّاناً، وإنْ كان تصرّفه موجباً لتملك الآخر للشيء الذي بيده، لزم دخول الشيء في الملك بلا سبب.
وقد أجاب الشيخ:
وأمّا كون التصرف مملّكاً للجانب الآخر، فقد ظهر جوابه.
أقول:
يريد رحمه اللّه: أن ذلك مقتضى الجمع بين أصالة عدم الملك أو استصحاب بقاء كلٍّ من المالين في ملك صاحبه وما دلّ على جواز مطلق التصرّفات في المأخوذ بالمعاطاة، وأدلّة أنْ لا بيع ولا عتق ولا وطي إلاّ في ملك، فإنّه بالجمع بينها يستكشف أنّ الشارع قد اعتبر الملكيّة آناًمّا قبل حصول التصرّف المخرج عن الملكيّة.
وعلى الجملة، ليس التصرّف بنفسه مملّكاً، بل إن مقتضى الجمع بين الأدلّة المزبورة، هو الاستكشاف عن دليل.
وهذا هو الجواب عن الجهة الثانية.
وأمّا الجهة الأولى، فلم يجب عنها.
ويمكن أن يقال: إنّه ليس للدليل القائم على مملكيّة التصرّف دلالة على كون ذلك بالمجّان، بل هو مملّك بالعوض، فيدلّ بالإلتزام على أنّ ما بيد الطّرف الآخر ملك له كذلك، أو يقال ـ كما ذكر المحقق الخراساني ـ بأنّ المعاطاة تفيد الملكيّة بشرط التصرّف من أحدهما فيما بيده، كما في الصرّف والسّلم حيث يشترط الملكيّة فيها بالقبض، إلاّ أنا لم نوافق على ما ذهب إليه.
Menu