أدلّة القول باعتبار الصّيغة
وذكر السيّد رحمه اللّه(1) وجوه الاستدلال للقول بعدم إفادة المعاطاة للملكيّة وأنه يعتبر الصّيغة:
أحدها: الإجماع.
وفيه: إنه غير ثابت، وهو منقول، ومعلوم المدرك.
الثاني: بعض الأخبار المشتملة على ذكر الصّيغة المدّعى دلالته على اشتراطها مثل:
قوله عليه الصّلاة والسّلام: «لا تشتر كتاب اللّه عزّوجلّ، ولكنْ اشتر الحديد والورق أو الدفّتين وقل: اشتريت منك هذا بكذا وكذا»(2).
وقوله عليه السّلام: «لا تشتر كتاب اللّه، ولكنْ اشتر الحديد والجلود وقل: اشتري منك هذا بكذا وكذا»(3).
وقوله عليه السّلام في في خبر: «رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن… فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن. فقال المشتري: قد قبلت ورضيت…»((3)).
أمّا الأخير، فلا مجال للاستدلال به.
ويبقى الأوّلان، فقد يتوهّم منهما اعتبار اللّفظ، وأنه لولا ذلك لقال الإمام عليه السلام: أعطه كذا وكذا وخذ كتاب اللّه… فمن قوله: «قل…» الظاهر في الوجوب الشّرطي ـ لأن الأوامر في هذه الموارد ظاهرة بالظهور الثانوي في الشرطيّة ـ يستفاد اعتبار اللّفظ وعدم كفاية الفعل.
لكنْ فيه: إن الإمام عليه السّلام في مقام بيان أن القرآن المجيد لا يباع، وأنّ الذي يقع مورد المعاملة هو الورق والجلد، فهما مسوقان لأمر آخر غير شرطيّة اللّفظ في البيع، فلا يستدّل بهما لهذه الجهة.
الثالث: ما ورد في النهي عن بيع المنابذة والملامسة ونحو ذلك(4)، باعتبار أنّ ملاك النهي فيها هو عدم اللفظ، وهو موجود في البيع المعاطاتي. مضافاً: إلى أن المنابذة من النبذ وهو الطّرح، وهو نحوٌ من التعاطي، فأدلّة النهي عن هذه البيوع آتيةٌ في المعاطاة بالملاك أو بالمطابقة.
وقد أجاب السيّد وغيره: بأن البيع لم يكن بالنبذ أو اللمس ونحو ذلك، بل النبذ ونحوه إنّما كان لتعيين المبيع(5).
لكنّ الشيخ الصّدوق يقول: «المنابذة يقال: إنها أنْ يقول لصاحبه: انبذ إليَّ الثوب أو غيره من المتاع، أو أنبذه إليك، وقد وجب البيع بكذا… .
ويقال: إنما هو أنْ يقول الرجل: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع، وهو معنى قوله: نهى عن بيع الحصاة.
والملامسة أن يقول: إذا لمستَ ثوبي أو لمستُ ثوبك، فقد وجب البيع بكذا. ويقال: بل هو أن يلمس المتاع من وراء الثوب ولا ينظر فيه فيقع البيع على ذلك.
وهذه بيوع كان الناس على عهد الجاهليّة يتبايعونها، فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عنها، لأنها غرر كلّها»(6).
فمن هذه العبارة يفهم أنّ النهي إنما هو من أجل لزوم الغرر، لا لأجل اعتبار اللّفظ.
والرابع: قوله عليه السّلام إنما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام(7).
و«إنما» تدلّ على الحصر، والمعاطاة ليست بكلام، فهي لا تفيد حتى الإباحة.
وقد تعرّض الشيخ لهذا الخبر وذكر في معناه أربعة وجوه. لكنْ سيأتي أن معناه: أنْ لا أثر للمقاولة السّابقة على البيع وأنّ المؤثّر هو تنجيز البيع. وعلى هذا ـ الذي سنذكره ـ لا مجال للاستدلال به لاعتبار اللّفظ في البيع، بل جميع الآثار تترتب على تنجيزه، وهو كما يحصل باللّفظ يحصل بالفعل.
(1) حاشية المكاسب 1 / 337.
(2 و 3) وسائل الشيعة 17 / 158، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الرقم 1 و 2.
(3) وسائل الشيعة 17 / 365، الباب 19 من أبواب عقد البيع، الرقم 1.
(4) وسائل الشيعة 17 / 357، الباب 12 من أبواب عقد البيع.
(5) حاشية المكاسب 1 / 338.
(6) معاني الأخبار: 278، وسائل الشيعة 17 / 358.
(7) وسائل الشيعة 18 / 50، الباب 8 من أبواب العقود، الرقم: 4.