الإشكال بانتقاضه بمستأجر العين بعين
وبه يظهر اندفاع الإيراد بانتقاضه بمستأجر العين بعين، حيث أن الاستيجار يتضمّن تمليك العين بمال أعني المنفعة.
ولعلّ مراده من الضمنيّة هو ما ذكرناه، من كونه لازماً للمنشأ لا أنه هو المنشأ، فليتدبّر جيّداً[1].
[1] أقول: قد تكلّم المحققون على قول الشيخ قدّس سرّه: إن التمليك فيه ضمنيٌّ، فأورد الإصفهاني والإيرواني والخوئي ـ بألفاظ متقاربة ـ أنّ التمليك من البائع والتملّك من المشتري على حدٍّ سواء وفي عرض واحد، فلا يعقل أن يكون أحدهما ضمنيّاً والآخر استقلاليّاً. هذا أوّلاً. وثانياً: إنه لو سلّم ذلك، فإنّه لا يرفع الإشكال، لأنّ التعريف شاملٌ لكلٍّ من التمليكين ولم يقيَّد بالتمليك الأصلي، ليخرج منه التمليك التبعي(1).
أمّا السيّد اليزدي، فقد طرح الإشكال النقضي ببيع السّلم، فقال الإصفهاني: إنّ الكلام في أنّ البيع بالحمل الشائع يتقوّم بتسبيب من طرف وقبول من آخر، فلا نظر هنا إلى أنّ السبب لابدّ من أن يكون من طرف البائع بالإيجاب الإنشائي والقبول بإنشاء مفهوم القبول، حتى ينتقض بمثل بيع السّلف… .
لكنَّ السيّد نفسه قد أجاب عن الإشكال بقوله: يمكن دفع الإشكال: بأن المراد من كون التمليك ضمنيّاً أنْ يكون المتعلّق فيه على وجه العوضيّة، ومن كونه أصلّياً على وجه المعوّضيّة، وفي السّلم وإنْ كان الإيجاب من المشتري إلاّ أنه يملك على وجه العوضيّة، فكأنه قال: أعطيتك الدراهم عوضاً عن التمليك الطعام. فالمملّك الأصلي فيه هو البائع. و الحاصل: إنه فرق بين أنْ يقول: ملّكتك كذا عوضاً عن كذا. أو: ملّكتك كذا بعوض كذا. فتدبّر واغتنم(2).
وكلام سيّدنا الجدّ ناظرٌ إلى كلّ ما ذكروه، وقد تصدّى للجواب عن الإشكال بما حاصله: أنّ جعل المشتري ما يملكه عوضاً عمّا يملّكه البائع هو القبول والرّضا.
لكنه طاب ثراه قد أمَر بالتدبّر.
ولعلّه إشارة إلى أنّ العوض هو مال المشتري وليس عمله.
كما أنّ السيّد اليزدي أيضاً قد أمر بالتدبّر، وكأنّه يريد الإشارة إلى أنّ الشّيخ لم يقيّد في تعريفه بالعوض والمعوَّض، فتعريفه شامل لكليهما، فيصدق على فعل المشتري.
ولذا قال سيّدنا الاستاذ رحمه اللّه: أنّ الإشكال لا يندفع بما ذكره السيّد، لأنّ تعريف الشّيخ صادق على فعل المشتري(3).
وقد حاول شيخنا الاستاذ دام بقاه في بحثه الشريف الدفاع عن الشيخ فأفاد: بأنّ مراده أنّ كلاً من البائع والمشتري يملّك ويمتلّك، لكنّ الذي يفعله البائع استقلالاً هو تمليك المشتري، ويكون له بالضمن والتبع التملّك لما يعطيه المشتري إيّاه، والذي يفعله المشتري هو العكس، أي: تمليك البائع استقلالاً وأصلاً والتملّك منه لما يعطيه ضمناً وتبعاً. فهذا مراد الشيخ، وهو لا ينافي كون التمليك والتملّك في عرض واحد ومرتبة واحدة.
قال: وأمّا النقض ببيع السّلم، فالحقّ في الجواب هو: أنّ الشيخ ذكر بعد عبارة المصباح اعتبار كون المبيع المعوّض عيناً، وأنه لا مانع من كون العوض منفعةً أو عملاً. فهو لمّا قال في تعريف البيع: إنشاء تمليك عين بمال، فقد أشرب في كلمة «عين» معنى «المعوّضية»، وأمّا ما يعطيه المشتري سلماً، فليس بمعوّض بل هو عوض، فالإشكال مندفع.
أقول: لا يخفى أنَّ جميع ما ذكروه من الأجوبة غير الخالية عن التكلّف، إنما هو فرع كون بيع المعرّف فعل البائع، وأمّا بناءً على كونه المعاملة المتداولة التي قوامها بالطرفين كما هو الظاهر، فلا حاجة إليها أصلاً.
وأمّا ما ذكره شيخنا من عدم المنافاة بين مراد الشيخ وكون التمليك والتملّك في مرتبة واحدة ـ وهو الجواب عن إشكال المحقّقين الإصفهاني والإيرواني ـ فينافي كلامه في مسألة بيع الدّين على من هو عليه، فقد قلت هناك ـ في الدّرس ـ إن الإشكال مبنيٌّ على أخذ «التمليك» في التعريف وكون السقوط على أثر التمليك، فإنه يقال: كيف يكون الشيء سبباً لعدم نفسه؟ وإمّا إذا كان التمليك من البائع والتملّك من المشتري، وأنّ السقوط يكون على أثر التملّك لا التمليك، فالإشكال يندفع، إذْ لم يتسبّب في انعدام نفسه.
فإجاب دام بقاه: بأنّ التمليك والتملّك في مرتبة واحدة.
فقلت: كونهما في مرتبة واحدة والحقيقة واحدة، لا ينافي ما ذكرت، فإن التمليك قائم بالبائع، والتملّك قائم بالمشتري، وسقوط ما في ذمّته يكون على أثر تملّكه.
(1) حاشية الإصفهاني 1 / 68 حاشية الإيرواني: 74 مصباح الفقاهة 2 / 60.
(2) حاشية السيد اليزدي 1 / 300.
(3) بلغة الطالب: 37.