الإشكال عليه
ولو أن الشيخ عرّف البيع بأنه تمليك عين بمال، بأن يكون المراد منه الأعمّ من التمليك الحقيقي والإنشائي، لسلم تعريفه ممّا أورد عليه المحقق الخراساني:
أوّلاً: بأنّ المعنى في مشتقات البيع ـ من: باع يبيع ـ هو التمليك، لا إنشاء التمليك.
وثانياً: بأنّ البيع ممّا يقع في حيّز الإنشاء، فإذا عُرّف بإنشاء التمليك، لزم وقوع الإنشاء في حيّز نفسه، وهو غير معقول.
لكنّ الظاهر: أن مراد الشيخ من التمليك هو التمليك الإنشائي، وإضافة الإنشاء إليه من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، فلا يتوجّه عليه الإشكال، وليس المراد من قولنا: التمليك الإنشائي هو تقييده به، حتى يورد عليه بأنّ المقيّد بالإنشاء لا يقع في حيز الإنشاء، بل المراد هو معنى التمليك القابل لأن ينشأ[1].
[1] أقول: قد اختلفت أنظار الأكابر تجاه تعريف الشّيخ، فالسيّد الجدّ وإنْ رجّح زيادة لفظة «الإنشاء» حتى يسلم التعريف من إشكال المحققين كالخراساني والنائيني والخوئي وغيرهم، إلاّ أنّه دافع عنه بأنّ المراد هو التمليك الإنشائي، ولكنْ يرد على الشيخ أنه إن أمكن هذا المعنى، فيصحّ الإتيان بلفظ الإنشاء، فلماذا أشكل على تعريف العلاّمة بالعقد وجامع المقاصد بالصّيغة المخصوصة؟
قال المحقق النائيني: يرد عليه الوجه الذي أورده على تعريف جامع المقاصد بعينه…(1).
وكذا قال سيّدنا الأستاذ طاب ثراه(2).
ثم إنّ غير واحد منهم أضاف إلى ذلك عدّة إشكالات، فالمحقّق الإيرواني قال: يتّجه عليه:
أوّلاً:إن البيع ليس من مقولة الإنشاء، بل معاملة واقعيّة تحصل بالإنشاء.
وثانياً: إنه يشمل إنشاء العابث واللاّغي وإنشاء الإيجاب غير المتعقّب بالقبول، مع أن شيئاً من ذلك ليس بيعاً بل إنشاء للبيع.
وثالثاً: العين تشمل الأعيان المتموّلة وغير المتموّلة كالخنافس والديدان.
ورابعاً: يشمل الإنشاء الصريح والضمني، مع أن مقصوده الإنشاء الصريح كيلا يشمل القبول من المشتري، ولا يشمل قبول مستأجر العين، ولا يشمل الصّلح.
وخامساً: يلزم تعلّق الجار في التعريف بالعين أو بصفة مقدّرة لها حتى يكون تقدير الكلام: إنشاء تمليك عين مقابل بالمال، مع أن ظاهره التعلّق بالتمليك، فإذا تعلّق بالتمليك انطبق التعريف على الهبة، إذا كان عوضاً للفعل وهو التمليك، لا عوضاً للعين المتعلّق به التمليك، والفارق بين البيع والهبة عند المصنف رحمه اللّه هو هذا(3).
ومن هنا قال بعضهم، كالإشكوري(4) والإيرواني: إن هذا التعريف أردء التعاريف وأزيفها، وقال الميرزا: فأجود التعريفات هذا التعريف، لكنّ مع إسقاط كلمة الإنشاء وتبدل لفظ التمليك بالتبديل. وكيف كان، فإنّ تعريف الشيخ قدّس سرّه يلزم عليه شيء ممّا تقدّم. وهذا هو القدر المتيقن.
ثم إنّ الشيخ طرح إشكالات قائلاً: نعم، يبقى عليه أمور…
(1) المكاسب والبيع 1 / 99.
(2) بلغة الطالب: 34.
(3) حاشية المكاسب: 74.
(4) بغية الطالب 1 / 36.