المنفعة:
لابدّ من التأمّل في وقوع المنفعة عوضاً في البيع، فإنّ من يملك الدّار لا يملك شيئين أحدهما الدار والآخر المنفعة، ومن يملك دابّةً تسوى مائة درهم وإجارتها سنةً خمسمائة درهم، لا يكون مالكاً الآن لستمائة درهم.
إن من يملك عيناً من الأعيان لا يكون عنده مالان أحدهما العين والآخر منفعة العين، بل عنده الدابّة مثلاً وله أن ينتفع بمنافعها، وكذا الدّار وغير ذلك… فله السّلطنة على أنْ ينتفع بمنافع العين، لا أنه يملكها إلى جنب العين، ولو قلنا بأنّ البيع مبادلة مال بمال، اعتبر الماليّة في العوض، لكن المنفعة ليست بمال.
وببيان أدق(1):
إنّه لا يجوز أنْ يقال: السّكنى منفعة الدار، والركوب منفعة الدابة ونحو ذلك من القول، لأنّ السكنى والركوب عرضان قائمان بالسّاكن والرّاكب، وهو هنا البائع، ولا يعقل وقوعهما عوضاً وثمناً عن المبيع، أعني الدار أو الدابّة.
إنّ منفعة الدّار قابليّتها لأنْ ينتفع بها، وكذا الدابّة، وغيرهما، وقابليّة كلّ شيء بحسبه، فحيثيّة القابليّة هي المنفعة، وهي أمر قائم بذات العين ولا وجود لها في الخارج، لعدم كونها أمراً منحازاً عن العين حتى يملّكها.
فكان الأولى في سبب الخلاف المنسوب إلى بعض الأعيان، بدلاً عمّا ذكره بقوله: «ولعلّه لما اشتهر…» أن يقال: إنّه ليس سكنى الدار ـ مثلاً ـ منفعة الدار، بل منفعتها قابليّتها للإنتفاع، وهي ليست بأمر منحاز عن العين حتى تملّك كما تملّك العين.
لكن من الممكن جعل المنفعة عوضاً ـ بناءً على ما أشرنا إليه ـ لأنّ تمليك منفعة الدار يتحقق بجعلها في يد المشتري لأنْ ينتفع بها، وهذه حقيقة الإجارة، وفي البيع يجعلها بيده، وهذا الجعل هو الذي يقع عليه العقد ويؤخذ بأزائه الشيء، لأنّ جعل الدار كذلك له ماليّة، والبيع مبادلة مال بمال، فالمنفعة تقع عوضاً في البيع[1].
[1] أقول: فبهذا الوجه صحّح طاب ثراه كون العوض منفعة، وهو مبنيٌ على ما ذهب إليه ـ تبعاً لأستاذه المحقق الإصفهاني ـ في حقيقة الإجارة، من أنّها ليست تمليكاً للمنفعة، بل هي جعل العين بيد الغير لغرض الإنتفاع بمنافعها، وفيما نحن فيه: يكون العوض في الحقيقة جعل العين بيد الغير للانتفاع بها.
قال بعض مشايخنا: أنّ الأصل في هذا المبنى هو: أنّ ما يقع عليه الإجارة وتتعلّق به، هو العين، إذ يقول الموجر: آجرتك الدار، ولا يقول: آجرتك منفعة الدار. فأشكل: ماذا تقولون إن قال: ملّكتك منفعة هذه الدّار؟ هذا أوّلاً. وثانياً: كيف تقولون: بأنّ الإجارة هي التسليط على العين للإنتفاع بها، مع أنّ «الانتفاع» فرع تملّك «المنفعة» وانتقالها، وكيف تنتقل المنفعة وقد ذكرتم أنها عرض قائم؟
قلت: لكنّ الظاهر أن الأصل في مختارهم في حقيقة الإجارة هو: كون المنفعة معدومة والمعدوم لا يملّك، لا تعلّق الإجارة بالعين في متن العقد حتى ينتقض بما لو تعلّقت بالمنفعة، بل هو صريح الشهيد إذ قال: «إنّ مورد الإجارة العين لاستيفاء المنفعة، لأنّ المنافع معدومة، ولأجله ربما يقال: بأنّ الإجارة تسليط على العين لاستيفاء المنفعة، لا تمليك المنفعة»(2).
(1) قال طاب ثراه: وتفصيله في بحثنا في كتاب الإجارة، كما أنّا طرحنا هذا المطلب في بحثنا في المكاسب في النجف الأشرف.
(2) حاشية المحقق الإصفهاني 1 / 15 عن القواعد 2 / 272.