الأخبار في شهادة الصبي
نعم، في (الجواهر) الاستدلال للقبول مطلقاً إذا بلغ عشراً: بإطلاق الشهادة كتاباً وسنّة، وأولوية غير الدم منه، وقول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر طلحة ابن زيد(1)…
… وخبر أبي أيوب الخزاز: سألت إسماعيل بن جعفر(2)…
وقد أجاب عن الإطلاق بأنه مخصوص بالتبادر وغيره بالبالغ، وعن الأولوية بمنعها، وعن الخبرين بضعف سنديهما وغير ذلك(3).
قلت: أما الآيات، فقد جاء في بعضها لفظ «الرجل» كقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)(4) وبعضها يشتمل على الحكم الشرعي، والصبي غير مكلف، كقوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء)(5) وبعضها مقيّد بالعدالة كقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِّنكُمْ)(6) والصبي لا يتصف بها، بناءاً على اشتراط التكليف أو البلوغ في صحّة الاتصاف بها، ولو سلّم الإطلاق، فإن الآية المعتبرة للرجوليّة صالحة للتقييد، وليس موردها بمخصص لها.
وأما الأخبار فهي على طوائف:
فمنها ما هو مطلق، ومن ذلك:
1 ـ هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء) قال: قبل الشهادة. وقوله: (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)(7) قال : بعد الشهادة»(8).
وهذا مطلق بغض النظر عما ذكرنا.
2 ـ أبو الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام «في قوله تعالى: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ)(9) قال: لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم عليها»(10).
3 ـ جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا دعيت إلى الشهادة فأجب»(11).
4 ـ سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام «في قول الله عزوجل: (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ) فقال: لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم»(12).
5 ـ داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا يأب الشاهد أن يجيب حين يدعى قبل الكتاب»(13).
ومنها: ما يدلّ على عدم قبول شهادة الصبي مطلقاً، ومن ذلك:
1 ـ محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: في الصبي يشهد على الشهادة فقال: «إن عقله حين يدرك أنه حق جازت شهادته»(14).
2 ـ السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: «قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن شهادة الصبيان إذا أشهدوهم وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها»(15).
3 ـ عبيد بن زرارة في حديث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يشهد على الشي وهو صغير قد رآه في صغره ثم قام به بعدما كبر فقال: «تجعل شهادته نحواً(16) من شهادة هؤلاء»(17).
ومنها: ما يدلّ على القبول في خصوص القتل، أو مقيداً بقيد، مثل:
1 ـ جميل: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تجوز شهادة الصبيان؟ قال: نعم، في القتل، يؤخذ بأول كلامه، ولا يؤخذ بالثاني منه»(18).
وهذا الخبر صحيح على الأظهر(19).
2 ـ محمد بن حمران: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة الصبي، قال فقال: لا، إلا في القتل، يؤخذ بأول كلامه، ولا يؤخذ بالثاني»(20).
وهو معتبر عند بعضهم، خلافاً للجواهر تبعاً للمسالك(21).
3 ـ أبو أيوب الخزاز: «سألت إسماعيل بن جعفر: متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين. قلت: ويجوز أمره؟ قال فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره، وجازت شهادته»(22)(23).
وهذا الخبر ليس عن المعصوم فهو موقوف، لكن لا يبعد أن يكون له اعتبارٌمّا لجلالة قدر إسماعيل وشدة حبّ أبيه الصادق عليه السلام له(24)، إلاّ أن ما يدلّ عليه، وهو التسوية بين الرجل والمرأة في الأحكام، وقبول الشهادة مطلقاً ممن بلغ عشر سنين، مخالف لما عليه الأصحاب، فهم معرضون عن هذا الخبر، وذلك يسقطه عن الاعتبار.
4 ـ محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام في شهادة النساء: «لا تجوز شهادتهنّ إلا في موضع ضرورة، مثل شهادة القابلة… ومثل شهادة الصبيان على القتل، إذا لم يوجد غيرهم»(25).
وفي راويه «محمد بن سنان» خلاف معروف.
5 ـ طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام: «شهادة الصبيان جائزة بينهم مالم يفترّقوا أو يرجعوا إلى أهلهم»(26).
و«طلحة بن زيد» عامي(27).
(1) وسائل الشيعة 27 : 345/6 . كتاب الشهادات ، الباب 23.
(2) وسائل الشيعة 27 : 344/3 . كتاب الشهادات ، الباب 23.
(3) جواهر الكلام 41 : 9.
(4) سورة البقرة 2 : 282.
(5) سورة البقرة 2 : 282.
(6) سورة الطلاق 65 : 2.
(7) سورة البقرة 2 : 283 .
(8) وسائل الشيعة 27 : 309/1 . كتاب الشهادات ، الباب 1.
(9) سورة البقرة 2 : 282.
(10) وسائل الشيعة 27 : 309/2 . كتاب الشهادات ، الباب 1 . وهو عن الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح. و« محمد بن فضيل » مشترك، وقد وقع الخلاف بينهم في تعيين محمد بن الفضيل ، الراوي عن أبي الصباح الكناني. فراجع.
(11) وسائل الشيعة 27 : 309/3 . كتاب الشهادات ، الباب 1 . وهو عن الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر وهو ابن سويد عن القاسم بن سليمان، عن جراح. و « القاسم بن سليمان » و « جراح المدائني » غير موثقين، لكنهما من رجال كتاب كامل الزيارات.
(12) وسائل الشيعة 27 : 310/5 . كتاب الشهادات ، الباب 1.
(13) وسائل الشيعة 27 : 310/6 . كتاب الشهادات ، الباب 1 . وفي طريقه « سهل بن زياد » وفيه الخلاف المعروف.
(14) وسائل الشيعة 27 : 342/1 . كتاب الشهادات ، الباب 21.
(15) وسائل الشيعة 27 : 342/2 . كتاب الشهادات ، الباب 21 . وفي إسناده « النوفلي » و « السكوني » وقد ذكرنا موجز الكلام فيهما في بعض حواشي كتاب القضاء.
(16) في التهذيب ونسخة من الوسائل « خيراً ».
(17) وسائل الشيعة 27 : 343/3 . كتاب الشهادات ، الباب 21.
(18) وسائل الشيعة 27 : 343/1 . كتاب الشهادات ، الباب 22.
(19) وهو: الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل ، وفي قولنا « على الأظهر » إشارة إلى الخلاف في الخبر الذي في طريقه « إبراهيم بن هاشم » مع وثاقة غيره من رجاله.
(20) وسائل الشيعة 27 : 343/2 . كتاب الشهادات ، الباب 22.
(21) وهو: الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن محمد بن حمران. ففي « محمد بن عيسى ـ وهو العبيدي ـ » خلاف بين الأعلام ، وقد ذهب المحققون المتأخرون إلى توثيقه، فراجع جواهر الكلام 41 : 10.
(22) وسائل الشيعة 27 : 344/3 . كتاب الشهادات ، الباب 22.
(23) في طريقه: محمد بن عيسى عن يونس. وأما « أبو أيوب الخزاز » فهو ثقة. واسمه « إبراهيم » وذكر الشيخ الجد المامقاني وقوع الخلاف في اسم أبيه وفي لقبه، قال: « وفي اسم أبيه خلاف: إنه عيسى، أو عثمان أو زياد، كالخلاف في لقبه: إنه الخراز بزائين، أو الخزاز براء قبل الألف وزاي بعدهما ».
(24) الأخبار في حال إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام مختلفة، وقد بحث عنها الرجاليون سنداً ودلالة ، وقد انتهى الكلام في تنقيح المقال ومعجم رجال الحديث إلى حسن الرجل وجلالته وشدة حب أبيه عليه السلام له. ولكن في منع جلالة شأنه عن الفتوى بدون الأخذ من المعصوم تأمل كما في جامع المدارك (6 : 98).
(25) وسائل الشيعة 27 : 365/50 . كتاب الشهادات ، الباب 24 . ويوجد في سنده من لا توثيق له .
(26) وسائل الشيعة 27 : 345/6 . كتاب الشهادات ، الباب 22.
(27) وهو: الصدوق بإسناده إلى طلحة بن زيد. والظاهر صحة إسناد الصدوق إلى الرجل، وطلحة بن زيد عامي، قال الشيخ: كتابه معتمد. وهو من رجال كامل الزيارات.