المسألة الثالثة
(لو كانت دار في يد إنسان وادّعى آخر أنها له ولأخيه إرثاً)
قال المحقق قدّس سرّه: «دار في يد إنسان وادّعى آخر أنها له ولأخيه الغائب إرثاً عن أبيهما، وأقام بينة، فإن كانت كاملة وشهدت أنه لا وارث سواهما سلّم إليه النصف، وكان الباقي في يد من كانت الدار في يده. وفي الخلاف: وتجعل في يد أمين حتى يعود، ولا يلزم القابض للنصف إقامة ضمين بما قبض»(1).
أقول: في هذه المسألة فروع:
الأول: إن هذه الدعوى تسمع من هذا الشخص، ويقضى له بالبينة الكاملة ـ أي الواجدة للشرائط على ما سيأتي ـ التي أقامها، ويسلّم إليه نصف الدار.
وهذا الحكم لا إشكال فيه ولا خلاف كما في (الجواهر).
الثاني: وحيث أُريد التنصيف للدار فمن يكون القاسم؟
قال في (الجواهر)(2): والقاسم الحاكم أو أمينه أو من في يده الدار.
أقول: أما الحاكم فلا كلام في نفوذ تقسيمه لأنه ولي الغائب، وأما أمينه فكذلك، لأنه يقوم مقام الحاكم بأمره، وأما من في يده الدار، فالمفروض إنكاره لحق المدّعي، وبذلك يسقط عن الأمانة في نظر المدعي في الأقل، والقاسم يشترط أن يكون عادلاً أميناً كما تقدّم في محلّه، فكيف يكون هذا الإنسان قاسماً في هذا المقام؟.
الثالث: وإذا سلّم نصف الدار إلى المدّعي، فما هو حكم النصف الآخر الذي يدّعي كونه للأخ الغائب؟ فيه قولان:
أحدهما: أن يكون الباقي في يد من كانت الدار في يده حتى مجي الغائب.
وهو رأي الشيخ في (المبسوط)(3). ظاهر المسالك تصحيح قول الشيخ في الخلاف لا ما قاله في المبسوط لانه نقل قول الشيخ في الخلاف ثم ما قاله في المبسوط فقال والاول اصح(4).
والآخر: أن ينتزع الباقي منه ويجعل في يد أمين حتى حضور الغائب.
وهو رأي الشيخ في (الخلاف)(5) وهو الأقوى عند صاحب (الجواهر).
وجه الأول هو: إن البينة حجّة بعد دعوى صاحب المال، وحيث أن الغائب غير موجود حتى يدّعي، فبيّنة أخيه لا تثبت ملكية الغائب للنصف الآخر، فيبقى بيد من كانت الدار في يده كما كان.
ووجه الثاني هو: أن البيّنة حجّة، ولا يتوقّف استيفاء الحق على حكم الحاكم المتوقف على حضور المدّعي ودعواه، وعليه، فترفع يد ذلك الإنسان عن الباقي.
وقد قدّمنا في محلّه بيان هذين القولين، وأن الأقوى هو الثاني.
وقد يجعل منشأ الاختلاف صلاحيّة قيام أحد الورّاث مقام الميت في إثبات الحق أو الملك وعدمها، بل يكون حق الدعوى لمجموع الورثة، فلو ادّعى أحدهم وأقام البينة ثبت حقّه دون غيره؟ فالعلامة في كتاب (المختلف)(6)وكاشف اللثام على الأول(7)، والشهيد الثاني في (المسالك) على الثاني(8).
والظاهر هو الأول، لأن هذا الأخ الحاضر يدّعي الإرث ويريد إثباته، فإذا أقام بينة وأثبته، فقد ثبت حقه وحق الغائب، والمفروض أن الغائب إذا حضر لا يطالب بأكثر من الإرث الذي يستحقه.
الرابع: إنه لو اُبقي النصف بيد من كانت الدار في يده، فهل يضمن أو لا يكون ضامناً؟
قال المحقق: لا. للأصل وغيره بعد ثبوت الانحصار بالبينة.
ولا يخفى أن هذا مبني على صحة التضمين بالنسبة إلى الأعيان كالديون.
(1) شرائع الإسلام 4 : 120.
(2) جواهر الكلام 40 : 507.
(3) المبسوط في فقه الامامية 8 : 274 . مسالك الأفهام 14 : 143.
(4) لاحظ المسالك 14 : 143.
(5) كتاب الخلاف 6 : 340 مسألة (12) . جواهر الكلام 40 : 507.
(6) مختلف الشيعة 8 : 447.
(7) كشف اللثام 10 : 227 ـ 228.
(8) مسالك الأفهام 14 : 143.