حكم الاختلاف في العين المستأجرة مع البينة
هذا كلّه مع عدم وجود البينة للمستأجر المدّعي، فإن كان واجداً لها وأقامها حكم له. قال المحقق قدّس سرّه: «ولو أقام كلّ منهما بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ»(1) أو إطلاقها أو إطلاقهما أو إطلاق احداهما، وإذا تحقق التعارض بينهما بالتساوي عدداً وعدالة والتأريخ واحد، تساقطا وكان المرجع القرعة، هذا بناء على حجية بينة الداخل كالخارج، وأما بناءاً على المختار من عدم حجية بينة الداخل، فإن بينة المستأجر هي المسموعة، ويحكم له على طبقها كما لو عدم الموجر البينة.
وفي (كشف اللثام): (ويحكم بالقرعة مع اليمين، فإن نكلا، فالظاهر أن البيت لما اتفقا على إجارته فهو في إجارته إلى أن تمضي المدّة ويقتسمان الباقي نصفين ويسقط من الاجرة بالنسبة، وكذا مع الاختلاف في الزمان…»(2).
قلت: إن أراد كاشف اللثام تقسيم الباقي إلى نصفين مع دفع المستأجر نصف مال الإجارة، ففيه: إن كلاًّ من الموجر والمستأجر يدّعي كون الباقي كلّه له، لأن المستأجر يدّعي أنه قد أعطى المأة مثلاً في مقابل الدار كلّها، والموجر يدّعي أنه قد آجر البيت فقط بمأة، فيقرّ بعدم استحقاقه تجاه المستأجر شيئاً، لكن نقول بكون البيت للمستأجر مع نصف الباقي، فإن استوفى منفعة النصف الآخر من الباقي كان عليه دفع ما يقابله.
فإن أراد كاشف اللثام هذا المعنى، لم يرد عليه ما أشكل به في (الجواهر) بقوله: «إن المتجه في الأول ثبوت الاجرة مع قسمة ما فيه النزاع بالنصف، نعم، يتّجه أُجرة المثل في الأخير، لوقوع التصرف فيه بلا أُجرة، ويمكن القول هنا بالقرعة بلا يمين، لعدم تناول دليل التنصيف للفرض، كما سمعته في المسألة الثانية، بل لعلّه هنا أولى»(3).
وفي (الدروس): «فإن اتّحد التاريخ أُعملتا أو سقطتا أو أقرع مع اليمين»(4).
والظاهر أن مراده من «اعملتا» أنا إن قلنا بحجية بينة الخارج فقط، كانت بينة المستأجر هي الحجة ولا تسمع بينة الموجر لأنه الداخل، وإن قلنا بحجية بينة الداخل سمعت بينة الموجر، وإن قلنا بحجية كلتيهما فقد «سقطتا» بالتعارض فتعود كما لو عدماها، ويأتي فيها الوجوه المذكورة هناك، ويحتمل وجه آخر وهو القرعة مع اليمين.
هذا كلّه مع اتّحاد تاريخ البينتين…
قال المحقق: «ومع التفاوت يحكم للأقدم، لكن إن كان الأقدم بينة البيت، حكم بإجارة البيت بأجرته وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الاجرة»(5).
أقول: إنه مع التفاوت في التاريخ، فإن كان المتقدم تأريخ بينة الدار كلّها بطلت إجارة البيت لما تقدم سابقاً، وإن كان المتقدم تاريخ بينة البيت، حكم بإجارة البيت بالاجرة المسمّاة وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الاجرة، لبطلان ما قابل البيت المفروض تقدم إجارته من تلك الدار وصحة البقية، فلو كان مال الإجارة المتفق عليه مأة دينار، غير أن المستأجر يدّعي أن المأة اُجرة كلّ الدار والموجر يدّعي إنها اُجرة البيت فقط المفروض كونه مساوياً لنصف اُجرة الدار، وكان المتقدم تاريخ بيّنة البيت، يثبت على المستأجر مأة وخمسون ديناراً، المأة اُجرة البيت ببيّنة الموجر، والخمسون في مقابل بقيّة الدار ببيّنة المستأجر.
قال في (الجواهر): ولا ينافي ذلك خروجه عن دعواها التي هي وقوع عقد واحد منهما، وكون العوض فيه عشرة، وإنما الإختلاف فيما تضمّنه في مقابلة العشرة الدار أو البيت، لأن الثابت في الشرع حجّية بيّنتهما لا دعواهما، وقد اقتضتا ما عرفت، فينبغي العمل به، لاحتمال كونه الواقع وإن خرج عن دعواهما معاً، كما سمعته في تنصيف العين التي ادّعى كلّ منهما أنها له وهي في أيديهما، وتسمعه في غيره، بل قد يقال بوجوب العمل بكلّ منهما وإن علم الحاكم بخروج الحاصل من مقتضى الاجتهاد في أعمالهما عن الواقع فضلاً عن دعواهما مع احتماله الواقع(6).
(1) شرائع الإسلام 4 : 114.
(2) كشف اللثام 10 : 224.
(3) جواهر الكلام 40 : 462.
(4) الدروس الشرعية 2 : 106.
(5) شرائع الإسلام 4 : 114.
(6) جواهر الكلام 40 : 463.