5 ـ أن يقول من هي بيده ليست لي و لا أدري لمن
والصورة الخامسة: أن يقول الثالث: ليست العين لي ولكن لا أدري لمن هي، أو يقول: لا أدري أنها لي أو لهما أو لغيرهما.
والحكم في هذه الصورة هو الحكم في العين التي لا يد لأحد عليها ـ وإن كان بين القولين المذكورين فرق من جهة سنذكره ـ وقد ادّعاها اثنان، وقد ذكر في (العروة) فيها وجوهاً:
الأول: إجراء حكم المدّعي والمنكر، لكون كلّ منهما مدّعياً ومنكراً، فمع حلفها أو نكولهما تقسم بينهما، ومع حلف أحدهما ونكول الآخر تكون للحالف لقوله عليه السلام: البينة للمدعي… إلخ، ولرواية إسحاق بن عمّار: «فلو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة؟ قال: أحلفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف»(1).
قال السيد رحمه الله: «وفيه: منع صدق المدّعي والمنكر، بل كلّ منهما مدّع، فيكون من التداعي. وأما الرواية فمختصة بصورة البيّنة فلا تشمل المقام»(2).
والثاني: التحالف، للتداعي، فإذا حلفا قضي بالتنصيف بينهما.
والثالث: القرعة، من جهة أنه أمر مجهول، والقرعة لكلّ أمر مجهول.
والمختار هو الوجه الثاني تبعاً للسيد في (العروة).
وقد نسب الأول ـ تبعاً للمستند ـ إلى المحقق الأردبيلي(3)، لكنّ كلامه يفيد اختياره للوجه الثاني لا الأول، ويشهد بذلك عدم ظهور رواية إسحاق فيما نسب إليه.
أما الثالث، فقد اختاره المحقق النراقي، فقال ردّاً على القول الأول:
«الحلف أمر شرعي يتوقّف على التوقيف، ولا أرى دليلاً على حلفهما هنا والحكم بنكولهما أو نكول الناكل، والرواية مخصوصة بصورة إقامتهما البينة، والتعدّي يحتاج إلى الدليل، والقرعة لكلّ أمر مجهول، فالرجوع إليها أظهر، كما حكم به علي عليه السلام في روايتي أبي بصير وابن عمار.
الاولى: بعث رسول الله غإلى اليمن فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما ورد عليك، قال: يا رسول الله، أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطئوها جميعاً في طهر واحد، فولدت غلاماً فاختلفوا فيه، كلّهم يدّعيه، فأسهمت بينهم وجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم(4). الحديث.
والاخرى: إذا وطى رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادّعوه جميعاً، أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد له، يردّ قيمة الولد على صاحب الجارية»(5) الحديث.
وعمل بها الأصحاب طرّاً في مورده من غير إحلاف(6).
وأجاب السيد في (العروة) عن الاستدلال المذكور بأنه: «لا واقع مجهول في المقام حتى يعيّن بالقرعة، لعدم كون العين في يدهما واحتمال كونها لثالث غيرهما. والروايتان مخصوصتان بموردهما»(7).
قلت: كأن المحقق النراقي يريد إلغاء خصوصيّة «الولد» المتنازع فيه الذي لا يمكن القضاء بتنصيفه، ولا طريق إلى معرفة من هو له، لا باليمين ولا بالبينة، حتى يتمكّن من التعدي منه إلى المال، لكن الإنصاف أن إلغاء هذه الخصوصّية في الروايتين أصعب من إلغاء الخصوصّية في رواية إسحاق.
وبما ذكرنا يظهر عدم قابلية الروايتين للمعارضة مع عمومات «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر»، وجعل مدلول العمومات: إن كلّ بينة على المدّعي وكلّ يمين على المنكر، لا أن كلّ مدّع ومنكر عليه البينة واليمين يخالف ظاهر تلك الأخبار، ولو تمّ ذلك لسقطت عن الإستدلال حتى في موارد وجود المدّعي والمدّعى عليه، ومن هنا لم يوافق عليه النراقي نفسه.
فالحاصل: إن الذي يدعي كون الشيء ملكاً له في مقابل دعوى غيره لذلك أيضاً، يصدق عليه «المنكر» عرفاً، فتشمله العمومات، كالرواية الواردة في قضية فدك، ورواية ابن أبي يعفور(8) وغيرهما.
إذن، يوجد عندنا دليل على الحلف في المورد، وأن دعوى التعارض الذي ذكرها رحمه الله في غير محلّها.
فتلخّص: إن الصحيح هو الوجه الثاني.
ثم، هل الرجوع إلى القرعة يختص بمورد الأموال فقط أو يمكن تعيين الحجة الشرعية بها كذلك؟ لا ريب في ترجيح احدى الروايتين على الاخرى بالقرعة، وفي بعض الأخبار يتعيّن ذو اليد في بعض الموارد عند التردّد بين شخصين، فللقائل بالقرعة في مسألتنا أن يقول بحلف ذي اليد للمدّعي، فلا يرد إشكال (الجواهر).
وأما الفرق بين قول الثالث: «ليست لي ولا أدري أنها لمن» وقوله: «لا أدري أنها لي أولهما أو لغيرهما» فهو: أنه في الأول ينفي كون العين له فيخرج بإقراره عن أطراف الشبهة، بخلاف الثاني، ولذا احتمل في الثاني القضاء بكون العين له، لكون يده عليها وأن جهله لا ينفي ملكيّته للعين، وحينئذ، يمكن إحلافه على نفي العلم، فإن حلف أُبقيت العين في يده، وإن نكل أّخذت منه وسلّمت إلى المدعيين ويقضى بينهما بأحد الوجوه المذكورة.
(1) وسائل الشيعة 27 : 250/2 . أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوى ، الباب 12.
(2) العروة الوثقى 3 : 126.
(3) مستند الشيعة 17 : 355 ، مجمع الفائدة والبرهان 12 : 227.
(4) وسائل الشيعة 27 : 258/5 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 13.
(5) وسائل الشيعة 27 : 261/14 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 13.
(6) مستند الشيعة 17 : 355 ـ 356.
(7) العروة الوثقى 3 : 127.
(8) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث فدك: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي، وقد ملكته في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعده ولم تسأل المؤمنين البينة على ما ادّعوا على كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ـ إلى أن قال ـ وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر » . وسائل الشيعة 27 : 293/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 25.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه أن لا حق له قبله ، ذهبت اليمين بحق المدعى فلا دعوى له. قلت له: وإن كانت عليه بينة عادلة؟ قال: نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له، وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه . وسائل الشيعة 18 / 178.
والصورة الخامسة: أن يقول الثالث: ليست العين لي ولكن لا أدري لمن هي، أو يقول: لا أدري أنها لي أو لهما أو لغيرهما.
والحكم في هذه الصورة هو الحكم في العين التي لا يد لأحد عليها ـ وإن كان بين القولين المذكورين فرق من جهة سنذكره ـ وقد ادّعاها اثنان، وقد ذكر في (العروة) فيها وجوهاً:
الأول: إجراء حكم المدّعي والمنكر، لكون كلّ منهما مدّعياً ومنكراً، فمع حلفها أو نكولهما تقسم بينهما، ومع حلف أحدهما ونكول الآخر تكون للحالف لقوله عليه السلام: البينة للمدعي… إلخ، ولرواية إسحاق بن عمّار: «فلو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة؟ قال: أحلفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف»(1).
قال السيد رحمه الله: «وفيه: منع صدق المدّعي والمنكر، بل كلّ منهما مدّع، فيكون من التداعي. وأما الرواية فمختصة بصورة البيّنة فلا تشمل المقام»(2).
والثاني: التحالف، للتداعي، فإذا حلفا قضي بالتنصيف بينهما.
والثالث: القرعة، من جهة أنه أمر مجهول، والقرعة لكلّ أمر مجهول.
والمختار هو الوجه الثاني تبعاً للسيد في (العروة).
وقد نسب الأول ـ تبعاً للمستند ـ إلى المحقق الأردبيلي(3)، لكنّ كلامه يفيد اختياره للوجه الثاني لا الأول، ويشهد بذلك عدم ظهور رواية إسحاق فيما نسب إليه.
أما الثالث، فقد اختاره المحقق النراقي، فقال ردّاً على القول الأول:
«الحلف أمر شرعي يتوقّف على التوقيف، ولا أرى دليلاً على حلفهما هنا والحكم بنكولهما أو نكول الناكل، والرواية مخصوصة بصورة إقامتهما البينة، والتعدّي يحتاج إلى الدليل، والقرعة لكلّ أمر مجهول، فالرجوع إليها أظهر، كما حكم به علي عليه السلام في روايتي أبي بصير وابن عمار.
الاولى: بعث رسول الله غإلى اليمن فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما ورد عليك، قال: يا رسول الله، أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطئوها جميعاً في طهر واحد، فولدت غلاماً فاختلفوا فيه، كلّهم يدّعيه، فأسهمت بينهم وجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم(4). الحديث.
والاخرى: إذا وطى رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادّعوه جميعاً، أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد له، يردّ قيمة الولد على صاحب الجارية»(5) الحديث.
وعمل بها الأصحاب طرّاً في مورده من غير إحلاف(6).
وأجاب السيد في (العروة) عن الاستدلال المذكور بأنه: «لا واقع مجهول في المقام حتى يعيّن بالقرعة، لعدم كون العين في يدهما واحتمال كونها لثالث غيرهما. والروايتان مخصوصتان بموردهما»(7).
قلت: كأن المحقق النراقي يريد إلغاء خصوصيّة «الولد» المتنازع فيه الذي لا يمكن القضاء بتنصيفه، ولا طريق إلى معرفة من هو له، لا باليمين ولا بالبينة، حتى يتمكّن من التعدي منه إلى المال، لكن الإنصاف أن إلغاء هذه الخصوصّية في الروايتين أصعب من إلغاء الخصوصّية في رواية إسحاق.
وبما ذكرنا يظهر عدم قابلية الروايتين للمعارضة مع عمومات «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر»، وجعل مدلول العمومات: إن كلّ بينة على المدّعي وكلّ يمين على المنكر، لا أن كلّ مدّع ومنكر عليه البينة واليمين يخالف ظاهر تلك الأخبار، ولو تمّ ذلك لسقطت عن الإستدلال حتى في موارد وجود المدّعي والمدّعى عليه، ومن هنا لم يوافق عليه النراقي نفسه.
فالحاصل: إن الذي يدعي كون الشيء ملكاً له في مقابل دعوى غيره لذلك أيضاً، يصدق عليه «المنكر» عرفاً، فتشمله العمومات، كالرواية الواردة في قضية فدك، ورواية ابن أبي يعفور(8) وغيرهما.
إذن، يوجد عندنا دليل على الحلف في المورد، وأن دعوى التعارض الذي ذكرها رحمه الله في غير محلّها.
فتلخّص: إن الصحيح هو الوجه الثاني.
ثم، هل الرجوع إلى القرعة يختص بمورد الأموال فقط أو يمكن تعيين الحجة الشرعية بها كذلك؟ لا ريب في ترجيح احدى الروايتين على الاخرى بالقرعة، وفي بعض الأخبار يتعيّن ذو اليد في بعض الموارد عند التردّد بين شخصين، فللقائل بالقرعة في مسألتنا أن يقول بحلف ذي اليد للمدّعي، فلا يرد إشكال (الجواهر).
وأما الفرق بين قول الثالث: «ليست لي ولا أدري أنها لمن» وقوله: «لا أدري أنها لي أولهما أو لغيرهما» فهو: أنه في الأول ينفي كون العين له فيخرج بإقراره عن أطراف الشبهة، بخلاف الثاني، ولذا احتمل في الثاني القضاء بكون العين له، لكون يده عليها وأن جهله لا ينفي ملكيّته للعين، وحينئذ، يمكن إحلافه على نفي العلم، فإن حلف أُبقيت العين في يده، وإن نكل أّخذت منه وسلّمت إلى المدعيين ويقضى بينهما بأحد الوجوه المذكورة.
(1) وسائل الشيعة 27 : 250/2 . أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوى ، الباب 12.
(2) العروة الوثقى 3 : 126.
(3) مستند الشيعة 17 : 355 ، مجمع الفائدة والبرهان 12 : 227.
(4) وسائل الشيعة 27 : 258/5 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 13.
(5) وسائل الشيعة 27 : 261/14 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 13.
(6) مستند الشيعة 17 : 355 ـ 356.
(7) العروة الوثقى 3 : 127.
(8) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث فدك: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي، وقد ملكته في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعده ولم تسأل المؤمنين البينة على ما ادّعوا على كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ـ إلى أن قال ـ وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر » . وسائل الشيعة 27 : 293/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 25.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه أن لا حق له قبله ، ذهبت اليمين بحق المدعى فلا دعوى له. قلت له: وإن كانت عليه بينة عادلة؟ قال: نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له، وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه . وسائل الشيعة 18 / 178.