إشتراط كون الدعوى صحيحة لازمة:
قال المحقق قدّس سرّه: «ولابدّ من كون الدعوى صحيحة لازمة، فلو ادّعى هبة، لم تسمع حتى يدّعي الإقباض، وكذا لو ادّعى رهناً»(1).
أقول: مثّل بالهبة قبل الإقباض وبالرهن قبله، للدعوى غير الصحيحة اللازمة، لأن الموهوب ما لم يقبض لم يملك، وفي الرهن قال المحقق: «وهل يشترط في الرهن القبض؟ قيل: لا، وقيل: نعم، وهو الأصح»(2).
أما اشتراط كون الدعوى صحيحة، فدليله واضح، فلو ادّعى الهبة وأقرّ المدّعى عليه لم يلزم بشيء، بل لابدّ من أن يدّعي هبة صحيحة كأن يقول له: وهبتني ذلك وأقبضتني إيّاه.
وأما اشتراط كونها لازمة، فإن الهبة إذا لم تكن إلى ذي رحم ـ وكانت العين باقية ـ جاز للواهب الرجوع حتى مع الإقباض، ولذا قيل بسقوط الدعوى فيما لو ادعى عليه الهبة فأنكر، إذ يكون الإنكار رجوعاً، نظير ما إذا أنكر الزوج الطلاق، فإن إنكاره رجوع.
وبالجملة، فاشتراط الصّحة لا ريب فيه، ولذا لو قال: هذه ثمرة نخلي، لم تسمع، إذ يمكن أن لا تكون ملكه، إلا إذا صرّح في دعواه بكونها ملكاً له كما سيأتي، لكن عن المحقق الأردبيلي الإشكال في اشتراط اللّزوم، فقد قال رحمه الله: «ما المانع من أن يدّعي الصحة أولاً فيثبتها ويدّعي اللزوم؟ ثم أنه يرد عليهم مثله فيما إذا ضمّ إليها دعوى القبض، إذ لعلّ الموهوب له أجنبي، على أنه يرد مثله في دعوى البيع، إذ على هذا لابدّ من دعوى انقضاء المجلس أو الأيام الثلاثة في الحيوان، ولا قائل به»(3).
وأورد عليه في (الجواهر) بقوله: «وفيه: إن الصحّة بدون القبض ليس حقاً لازماً للمدّعى عليه، ضرورة رجوع ذلك إلى التهيّؤ للصحة مع تمام ما يعتبر فيها، وهبة الأجنبي مع القبض صحيحة ويترتب عليها الأثر وإن جاز له الفسخ، فإن المراد باللازمة المقتضية للاستحقاق على المدّعى عليه، لا كون المدّعى به أمراً لازماً على وجه لا يكون به خيار للمدّعى عليه…»(4).
قلت: والصحيح أنه ليس الإنكار فيما نحن فيه رجوعاً كالطّلاق، فإن الحكم المذكور يختص بالطلاق، ولذا لا يكون إنكار البيع فسخاً له، والقول بعدم اشتراط اللزوم غير بعيد، إلا أن يكون هناك إجماع.
(1) شرائع الإسلام 4 : 107.
(2) شرائع الإسلام 2 : 75.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 117 ، بتفاوت . وعنه جواهر الكلام 40 : 378.
(4) جواهر الكلام 40 : 378.