اليمين المردودة في حكم البينة أو الإقرار ؟
وهل اليمين المردودة في حكم بينة المدعي أو في حكم إقرار المدّعى عليه ؟ قولان.
وجه الأوّل: إن الذي على المدّعي هو البينة، وعلى المنكر اليمين، فإن ردّ المنكر اليمين على المدعي وحلف ثبت حقه، فتكون هذه اليمين في حكم البينة.
ووجه الثاني: إن إقرار المدّعى عليه يثبت حق المدعي، فتقوم اليمين المردودة منه على المدعي مقام الإقرار، إذ هو حينئذ مسلّم لما يدّعيه إن حلف.
وقد ذكروا لهذا الخلاف ثمرات، منها: أن المدّعى عليه إذا أقام بينة على أداء المال مثلاً ، حلف المدعي، فإن كانت اليمين المردودة نازلة منزلة البيّنة، جاز للمنكر إقامة البينة بعدها، وإن كانت نازلة منزلة الإقرار فلا مجال لإقامتها، لأن الإقرار منه يكذبها.
قلت: والأقوى أن اليمين المردودة طريق مستقل لإثبات حق المدعي، وما ذكروه في وجه القولين ضعيف، وليس طريق إثبات الحق منحصراً بالبينة والإقرار بل هي ثلاثة طرق: البينة والإقرار واليمين المردودة، ولكلّ واحد منها أحكامه وآثاره، وأما الثمرة التي ذكروها فغير مترتّبة، لأن اليمين المردودة لا تصلح لنفي أداء المدّعى عليه الدين بل هي تثبت أصل الدين، وحينئذ فللمدّعى عليه إقامة البينة على الأداء ، كما أنه لو أقر بأصل الدين ثم أقام البيّنة على الأداء سقط الحق، وإن لم يكن عنده بينة حلف المدعي، لأنه المنكر للأداء ، ولا معنى لإقامتها على نفي ما تثبته اليمين المردودة التي جعلت لخصم النزاع بينهما، إذن، يجوز أن تقام البينة في مقابل اليمين المردودة ـ لو اختلف مدلولاهما ـ كما ذكرنا. وحينئذ، نبحث عن مقتضى الأدلّة أو الاصول فيما إذا أقام المنكر البينة بعد يمين المدعي مثلاً، فإن شملت إطلاقات أدلّة البينة هذه البينة فهو وإلا فيرجع إلى الأصل ، من دون أن يطبق على هذه اليمين أحكام أحد الأمرين…
فالحاصل : أنه لا وجه للحصر المذكور، وحينئذ ، تقيّد أدلّة البينة على المدعي واليمين على من أنكر، بأن اليمين على المنكر إلاّ إذا ردّت على المدّعي ، فهي عليه لا على المنكر.
ثم إن أثر اليمين المردودة يتوقف ترتّبه على حكم الحاكم، فهي من مقدّمات الحكم، والذي يثبت الحق هو الحكم، وبه تنفصل الخصومة وينقطع النزاع كما ذكرنا سابقاً، فيكون معنى قوله عليه السلام ـ في مرسلة أبان ـ: « … أن يحلف ويأخذ ماله » إنه يحلف ويحكم الحاكم ويأخذ ماله.
قال المحقق: « ولو نكل سقطت دعواه »(1).
أقول: لو نكل المدّعي عن اليمين المردودة، فقد ذكروا أنه تسقط دعواه، ثم ادّعي الإجماع على عدم جواز إعادة الدعوى في ذلك المجلس، وفي إعادتها في مجلس آخر قولان، وفي ( المسالك )(2): إن كان ترك اليمين لسبب وجيه وعذر مقبول أمهل، وإلا كان ناكلاً تسقط دعواه بامتناعه من اليمين.
أقول: ليس في الأخبار تعرض للنكول، بل فيها: « أبى أن يحلف » و « لم يحلف » فإن قال في المجلس « لا أحلف » مثلاً فقد أبى أن يحلف، ولا يبقى له حق، فإن حكم الحاكم سقطت الدعوى ولا تسمع بعدئذ، وإن لم يحكم الحاكم لم تسقط وبقيت وجازت المطالبة بالحق، ولكن تجديدها في ذلك المجلس لغو، وأما الإمهال، فإن كان لجهة عقلائيّة أمكن القول بجوازه بدعوى انصراف الأخبار عن ذلك، وإلا فلا وجه لإمهال الحاكم إيّاه، وهذه المهلة ـ أيّ مقدار طالت ـ فقد أخّر إحقاق حقه بنفسه ولا يجبر على اليمين لأجل أخذ حقه، بخلاف يمين المنكر فهناك لا يمهل لأن الحق للمدعي .
وهذا العذر الموجّه لابدّ أن يكون له أمد، إما عرفاً وإما بتحديد من الحاكم.
وأما إذا ردّ اليمين على المدّعي، فادّعى أنه ظانّ بالحق غير متيقّن به ، فلا يمكنه الحلف، فإن كان المنكر متيقناً قيل له: إحلف، وإن كان هو أيضاً ظاناً أو شاكاً كالمدعي ، بقيت الدعوى ، ورجع الحاكم إلى الاصول العملية، وأفتى في المسألة بما أدى إليه نظره.
(1) شرائع الإسلام 4 : 84.
(2) مسالك الأفهام 13 : 453.