حكم ما إذا رد اليمين:
قال المحقق: « وإن ردّ اليمين على المدّعي لزمه الحلف ».
أقول: إن ردّ المنكر اليمين على المدعي قالوا: يجب على المدّعي أن يحلف، وليس المراد من هذا الوجوب أو اللزوم هو الوجوب التكليفي، بل بمعنى أنه إن أراد تحصيل حقّه من المدّعى عليه لزمه الحلف، فهو لزوم وضعي من باب المقدّمة لإحقاق الحق، فإذا حلف حكم له ، ووجب على المنكر تسليم الشي المتنازع فيه إليه .
ويدلّ على ذلك: الإجماع والأخبار المستفيضة أو المتواترة كما في ( الجواهر )(1)، وهذه نصوص طائفة من تلك الأخبار، نذكرها لاشتمالها على أحكام أخرى أيضاً:
1 ـ محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : « في الرجل يدّعي ولا بيّنة له. قال: يستحلفه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حقّ له »(2).
2 ـ عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام: « في الرجل يدّعى عليه الحق ولا بيّنة للمدّعي. قال: يستحلف أو يردّ اليمين على صاحب الحق، فإن لم يفعل فلا حقّ له »(3).
3 ـ الصّدوق بإسناده عن أبان عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام : « إذا أقام المدّعي البيّنة فليس عليه يمين، وإن لم يقم البينة فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين فأبى ، فلا حقّ له »(4).
4 ـ الكليني عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام: « في الرجل يدّعى عليه الحق وليس لصاحب الحق بيّنة. قال: يستحلف المدّعى عليه، فإن أبى أن يحلف وقال: أنا أردّ اليمين عليك لصاحب الحق، فإن ذلك واجب على صاحب الحق أن يحلف ويأخذ ماله »(5).
5 ـ يونس عمّن رواه قال: « استخراج الحقوق بأربعة وجوه:
بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف و ردّ اليمين على المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقه، فإن أبى أن يحلف فلا شيء له »(6).
6 ـ عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قلت للشيخ عليه السلام: « خبّرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحق فلم تكن له بينة بماله. قال: فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حق له، وإن ردّ اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له ] وإن لم يحلف فعليه [ وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البيّنة، فعلى المدّعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو ، لقد مات فلان وأن حقه لعليه، فإن حلف وإلا فلا حق له، لأنا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها، أو غير بينة قبل الموت، فمن صارت عليه اليمين مع البينة فإن ادّعى بلا بينة فلا حق له، لأن المدّعى عليه ليس بحي، ولو كان حيّاً لاُلزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه، فمن ثم لم يثبت الحق »(7).
فتحصّل: أن للمنكر ردّ اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه وحكم له، وأما إذا كانت دعواه ظنّية ، فقيل: لا تسمع الدعوى الظنّية مطلقاً ، وقيل: بل تسمع ، إذ قد تقوم البينة على طبقها ، وتكون دليلاً ومستنداً لحكم الحاكم، لكن لا أثر لردّ المنكر اليمين على المدعي حتى على القول الثاني، لأن الظانّ لا يمكنه الحلف، وكذا لو كان المدّعي يدعي شيئاً لغيره ، كوليّ الصغير الذي يدعي على أحد حقّاً للصغير، لأن يمينه لا تثبت حقه وإن كان جازماً به، لما تقرر عندهم من أن يمين أحد لا تثبت الحق لغيره، وكذا الأمر لو كان المدعي وصيّاً لميت فيدعي وصيته بشي فينكر الوارث ـ مثلاً ـ ذلك، فإن أقام البينة على دعواه فهو وإلاّ حلف الوارث أو أقرّ بالحق، ولا يردّ اليمين على الوصي.
وقيل: لقد قام الدليل على أن البينة على المدعي، وعلى المنكر أن يحلف أو يردّ أو ينكل، وهذا الدليل مطلق، فيشمل صورة ما إذا لم يتمكّن المدعي من اليمين أو لم تكن يمينه نافذة، فنحكم في صورة ردّ المنكر اليمين وعجزه عنها ـ لكونه ظانّاً أو لكون الحق لغيره ـ بسقوط الحق المدّعى، لا بأن يكون عجزه سبباً لتخيير المنكر بين الأمرين الآخرين.
والجواب من وجهين، فالأوّل: إن أدلّة تردّد أمر المنكر بين الامور الثلاثة منصرفة عن هذه الصورة، فليس له الردّ فيها، ويبقى الأمران. والثاني: إنه مع الشك في إطلاق الأدلّة ـ بعد التنزّل عن القول بانصرافها ـ فيؤخذ بالقدر المتيقن، وهو ما عدا هذه الصورة.
وحيث لا يمكن الردّ ـ لأجل لغويّة يمين المدّعي أو عجزه عنها ـ فهو مخيّر بين الإقرار والحلف.
(1) جواهر الكلام 40 : 176.
(2) وسائل الشيعة 27 : 241/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 2.
(3) وسائل الشيعة 27 : 242/2 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 7.
(4) وسائل الشيعة 27 : 242/6 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 7.
(5) وسائل الشيعة 27 : 242/5 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 7.
(6) وسائل الشيعة 27 : 241/4 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 7.
(7) وسائل الشيعة 27 : 236/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 4 . وفيها « ياسين الضرير » وليس لائمة الرجال فيه مدح ولا ذم.