الوظيفة الثانية
( ترك تلقين أحد الخصمين )
قال المحقق: « لا يجوز أن يلقّن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه، ولا أن يهديه لوجوه الحجاج »(1).
أقول: ذكروا أنه لا يجوز للحاكم أن يلقّن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه، فمثلاً: قد يطرح المدعي دعواه بحيث يحتاج إلى إقامة البينة عليها، فيلقّنه طرحها على النحو الذي لا يحتاج إليها، أو أن يقول المنكر للمدّعي « أعطيتك طلبك » فيكون مدّعياً يحتاج إلى البينة على إعطائه الطلب، فيلقّنه الحاكم أن يقول « لا تطلبني » فيكون منكراً لا يحتاج إلى إقامة البيّنة، وقد ذكر المحقق الدليل على ذلك بقوله: « لأن ذلك يفتح باب المنازعة وقد نصب لسدّها ».
أقول : ولكن هذا لا يكون دليلاً لعدم جواز التلقين في جميع الموارد، بل التلقين قد يؤدّي إلى سرعة حلّ النزاع وسدّ باب المخاصمة في بعض الموارد، فالدليل أخص من المدعى. هذا أوّلاً. وثانياً: فتح باب المخاصمة فيما إذا ساعد على ظهور الحق وواقع القضية، غير محرم، فالصحيح عدم الحرمة(2) إلا إذا استلزم التلقين ضرراً أو كان منافياً للتسوية بناء على وجوبها ، ولم أجد في النصوص ما يقتضي حرمة التلقين بخصوصه.
هذا، ولا مانع من الإستفسار، بأن يسأله عن الخصوصيّات لغرض العثور على الحق ووضوح الحكم، إلا إذا استلزم ضرراً أو خالف التسوية كذلك.
(1) شرائع الإسلام 4 : 80.
(2) إذ الإجماع المدعى لم يعلم تحققه، والنص مفقود، والتعليل المذكور ضعيف، بل لقد استضعفه بعض القائلين بالحرمة كالمحقق النراقي حيث قال: وأما ما ذكروه دليلاً على عدم الجواز مطلقاً من إيجابه فتح باب المنازعة، فضعيف، لمنع عدم جواز فتحها كلية أوّلاً وعدم إيجابه له على الإطراد ثانيا. ومن هنا قال صاحب الكفاية: لا أعرف على أصل الحكم حجة فللتأمل فيه مجال، وعن المحقق الأردبيلي أنه مال إلى الجواز إن لم يرد بذلك تعليم ما ليس بحق.
هذا، إلا إذا استلزم التلقين ضرراً أو كان منافياً للتسوية بناء على وجوبها، وإلى هذا الذي ذكره السيد الاستاذ دام بقاه أرجع صاحب مفتاح الكرامة كلمات القائلين بالحرمة استناداً إلى التعليل المذكور حيث قال: والمراد من العبارات على اختلافها أن الواجب على القاضي أن يجهد نفسه في سدّ باب المنازعة ولا يتعرّض لشيء يفتحه، لأنه منصوب لقطع المنازعات، وقد استأمناه على الحكم من غير حيف وميل، فإذا لقّن أحدهما ما فيه ضرر على الآخر فقد خانه ولم يكن ساوى بينهما، وإن لقّن الآخر كذلك ليساوي بينهما فقد ألجأهما إلى دوام المنازعة. وهذا مراد الأصحاب، فالحجّة عليه واضحة فبطل ما في الكفاية.