الزيارة الجامعة غنيّة عن السند
وعلى الرغم من كلّ الأدلة التي أوردناها آنفاً بخصوص صحّة سند الزيارة الجامعة، فإننا نودّ أن نثبت ذلك من جهة أخرى، فنقول:
إننا نجد أنفسنا أحياناً في غنىً عن إثبات نسبة كلام من نثر أو شعر إلى قائله، لمعرفتنا بطريقة كلام القائل، واُسلوبه الرفيع، ومستواه الفكري والعلمي، وأدبه وفصاحته وبلاغته.
فكذلك الكلمات المرويّة عن أحد الأئمّة من أهل العصمة والطهارة، من الأخبار والأدعية والزيارات، فإنّ العلماء بأساليب الأئمّة، العارفين بمنازلهم في العلم والفصاحة والبلاغة، يدركون أن كلماتهم تفصح عن معين ثرٍّ لا يتأتى من غيرهم من البشر البتة. عندئذ تراهم في غنىً عن الخوض في سند الكلام، ليقينهم بصدوره عن الإمام المعصوم عليه السّلام.
نأخذ نماذج على ما قلناه، دعاء كميل، ودعاء الصباح، للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، ودعاء عرفة للإمام الحسين عليه السّلام، فإن من له أدنى أنس بكلماتهم يعلم يقيناً بصدور هذه الأدعية عن مقام العصمة، سواء كان لها سند أوْلا.
وهذا ما حصل لبعض أكابر علماءنا الأعلام حينما سئل عن سند بعض الروايات أو الأدعية أو الزيارات. فالشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء رحمه الله صرّح بخصوص دعاء الصّباح ـ وهو أحد الأدعية المروية عن أمير المؤمنين ـ بقوله: قوة متنه يكشف عن قطعيّة صدوره عن المعصوم(1).
وإنّ هذه الكبرى لتنطبق على الزيارة الجامعة. وعلى هذا الأصل بنى الفقيه المحدّث السيد عبدالله شبّر رحمه الله الخبير بكلام أهل البيت عليهم السّلام حينما يتحدّث عن الزيارة الجامعة فيقول:
«إن فصاحة ألفاظها وفقراتها، وبلاغة مضامينها وعباراتها، تنادي بصدورها عن عين صافية نبعت عن ينابيع الوحي والإلهام…»(2).
هذا كلّه، مضافاً إلى أن أكثر مضامينها ومفاهيمها قد ورد في روايات معتبرة عن أهل البيت الأطهار، بل إن كثيراً منها وارد في كتب العامّة بأسانيدهم عن النبي صلّى الله عليه وآله أو عن بعض صحابته، فإن ذلك أيضاً ممّا يورث اليقين بصدور هذه الزيارة عن مقام العصمة.
(1) الفردوس الأعلى: 76.
(2) الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: 18.