مناقشة الإجماع:
في مقابل هذا القول نجد النصوص التالية:
يقول ابن الحاجب في [مختصر الأُصول]: الأكثر على عدالة الصحابة. والحال قال ابن حجر: إنّ القول بعدالتهم كلّهم مجمع عليه وما خالف إلاّ شذوذ من المبتدعة.
يقول ابن الحاجب: الأكثر على عدالة الصحابة، وقيل: هم كغيرهم، وقيل قول ثالث: إلى حين الفتن، فلا يقبل الداخلون، لأنّ الفاسق غير معيّن، قول رابع: وقالت المعتزلة: عدول إلاّ من قاتل علياً(1).
إذن، أصبح الفارق بين المعتزلة وغيرهم من قاتل علياً.
يقول أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة: إنّ من قاتل عليّاً عادل!
ويقول المعتزلة: الذين قاتلوا عليّاً ليسوا بعدول.
هذه عبارة مختصر الأُصول لابن الحاجب، وراجعوا أيضاً غير هذا الكتاب من كتب علم الأُصول.
ثمّ إذا دقّقتم النظر، لرأيتم التصريح بفسق كثير من الصحابة، من كثير من أعلام القوم، أقرأ لكم نصّاً واحداً.
يقول سعد الدين التفتازاني، وهذا نصّ كلامه، ولاحظوا عبارته بدقّة: إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم ـ بعض الصحابة ـ قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة(2).
وكما قرأنا في الليلة الماضية، خاطب أبو بكر معشر المهاجرين: بأنّكم تريدون الدنيا، وستور الحرير، ونضائد الديباج، وتريدون الرئاسة، وكلّكم يريدها لنفسه، وكلّكم ورم أنفه.
يقول التفتازاني: وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذّات والشهوات.
يقول: إذ ليس كلّ صحابي معصوماً، ولا كلّ من لقي النبي بالخير موسوماً.
وكان موضوع تعريف ابن حجر العسقلاني: من لقي النبي.
يقول سعد الدين: ليس كلّ من لقي النبي بالخير موسوماً، إلاّ أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول اللّه، ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنّهم فى حقّ كبار الصحابة، سيّما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشّرين بالثواب في دار القرار(3).
ففي هذا النص اعتراف بفسق كثير من الصحابة، واعتراف بأنّهم حادوا عن الحق، وظلموا، وبأنّهم كانوا طلاّب الملك والدنيا، وبأنّهم وبأنّهم، إلاّ أنّه لابدّ من تأويل ما فعلوا; لحسن الظنّ بهم!!
فظهر أنّ الإجماع المدّعى على عدالة الصحابة كلّهم في غير محلّه وباطل ومردود، ولا سيّما وأنّ مثل سعد الدين التفتازاني وغيره الذين يصرّحون بمثل هذه الكلمات، هؤلاء مقدّمون زماناً على ابن حجر العسقلاني، فدعوى الإجماع من ابن حجر مردودة، ولا أساس لها من الصحة.
حينئذ، يأتى دور البحث عن أدّلة القول بعدالة الصحابة أجمعين، أي أدلّة القول الأوّل.
(1) مختصر الأصول 2 / 67.
(2) شرح المقاصد 5 / 310.
(3) المصدر 1 / 310.