هل كان الّذين كـتبوا إلى الإمام شـيعةً له؟
لقد تقدّم أنّ الإمام عليه السلام كان في ريب من تلك الكتب، حتّى إنّه صرّح بأنّ أصحابها سيقتلونه، جاء ذلك في ما رواه يزيد الرشك عمّن شافه الإمام عليه السلام في الطريق، وفي رواية أُخرى ـ رواها البلاذري ـ قال عليه السلام: «ما كانت كُتتب مَن كَـتب إليّ في ما أظنّ إلاّ مكيدةً لي، وتقرّباً إلى ابن معاوية بي»(1).
فهل كان هؤلاء كلّهم شـيعةً له؟
إنّ أوّل كتاب ذُكرت أسماء أصحابها فيه ـ في ما نعلم ـ هو الكتاب الذي أرسله:
1 ـ سليمان بن صرد
2 ـ المسـيَّب بن نجبة
3 ـ رِفاعة بن شدّاد
4 ـ حبيب بن مظاهر(2).
وقد كـتبوا هذا الكـتاب في منزل سـليمان، بعد أن خَطَبهم; وقد تقـدّم نصُّ كلامه عن كـتاب «الإرشاد»(3).
ومن الّذين كتبوا إليه جماعة ناشدهم الإمام عليه السلام في يوم عاشوراء، وهم:
1 ـ شبث بن ربعي
2 ـ حجّار بن أبجر
3 ـ قيس بن الأشعث
4 ـ يزيد بن الحارث
قال لهم عليه السلام: «ألم تكتبوا إليَّ؟!».
قالوا: لم نفعل(4).
وقد كذبوا عليهم لعنة الله، فقد جاء في الأخبار أنّه بعد أنْ استُشهد الإمام عليه السلام، قال ابن سعد لشبث بن ربعي: «إنزل فجئني برأسه!
فقـال: أنـا بايعتُـه ثـمّ غـدرتُ به، ثمّ أنزل فأحتـزّ رأسـه؟! لا والله لا أفعل ذلك.
قال: إذاً أكـتبُ إلى ابن زياد.
قال: أُكتبْ له!»(5).
ومنهم: عمرو بن الحجّاج الزبيدي(6)، وهو أبو زوجة هاني بن عروة(7)، وهو الذي قاد العسكر لاحتلال الفرات، وقطع الماء عن أهل البيت ومعسكر الإمام(8).
ومنهم: عزرة بن قيس الأحمسي(9)، وهو الذي أراد ابن سعد أن يبعثه رسولا إلى الإمام فأبى; لأنّه كان ممّن كتب إليه بالقدوم(10).
ومنهم: محمّـد بن عمير التميمي(11).
ولدى التحقيق يتبيّن أنّ الّذين كتبوا إليه ينقسمون إلى قسمين:
1 ـ قسم كانوا شيعة له، وهم: سليمان بن صرد وجماعته، وفراس ابن جعدة.
2 ـ وقسم لم يكونوا شـيعةً له، وهؤلاء على قسمين:
أ ـ الخوارج، أمثال «شبث بن ربعي».
ب ـ حزب بني أُميّة، أمثال «حجّار بن أبجر».
فأمّا «الشـيعة»:
فمنهم من استشهد مع الإمام عليه السلام، كحبيب بن مظاهر الأسدي.
ومنهم: سليمان بن صرد وجماعته، الّذين سـنتحدَّث عنهم فيما بعـد.
رُسُل أهل الكوفـة إلى الإمام
ثمّ إنّ من الرسل إلى الإمام عليه السلام:
1 ـ عبـد الله بن مسمع الهمداني
2 ـ عبـد الله بن وال
3 ـ قيـس بن مُسْهِر الصيداوي
4 ـ عمارة بن عبـد الله السلولي
5 ـ هاني بن هاني السـبيعي
6 ـ سعيد بن عبـد الله الحنفي
7 ـ عبـد الرحمن بن عبـد الله بن الكون الأرحبي.
وقد كان «سعيد» هذا ممّن بايع مسلماً عليه السلام، مع عابس الشاكري وحبيب بن مظاهر، في بيت المختار الثقفي(12)، ثمّ استشهد ثلاثتهم مع الإمام في الطفّ(13).
و «عبـد الرحمن» المذكور اسـتـشهد ـ أيضاً ـ مع الإمام(14).
و «قيس بن مسهِر» استشهد في الكوفة، فقد كان حاملا لكتاب من الإمام إلى أهل الكوفة، فمضى إلى الكوفة وعبيـد الله بن زياد قد وضع المراصد والمصابيح على الطرق، فليس أحد يقدر أن يجوز إلاّ فُـتّـش، فلمّا تقارب من الكوفة قيس بن مسهر لقيه عدوٌّ لله، يقال له: الحصين بن نمير السكوني، فلمّا نظر إليه قيس كأنّه اتّقى على نفسه، فأخرج الكتاب سريعاً فمزّقه عن آخره، فأمر الحصين أصحابه فأخذوا قيساً وأخذوا الكتاب ممزّقاً حتّى أتوا به إلى عبيـد الله بن زياد…(15).
و «عبـد الله بن وال» كان مع سليمان بن صرد، وقد استشهد معه; نقل ابن الأثيـر:
أنّ أدهم بن محـرز الباهلي حمل بخيـله ورجله على التـوّابين، فوصل ابنُ محرز إلى ابنِ وال وهو يتلو: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(16)، فغاظ ذلك أدهم بن محرز، فحمل عليه فضرب يده فأبانها، ثمّ تنحّى عنه وقال: إنّي أظنّك وددت أنّـك عند أهلك؟!
قال ابن وال: بئسما ظننت، والله ما أُحبّ أنّ يدك مكانها إلاّ أن يكون لي من الأجر ما في يدي; ليعظم وزرك ويعظم أجري.
فغاظه ذلك أيضاً، فحمل عليه وطعنه فقتله وهو مقبل ما يزول، وكان ابن وال من الفقهاء العبّـاد(17).
وكذا قُتل معه جماعته الآخرون، الّذين كتبوا إلى الإمام عليه السلام أو كانوا رسلا إليه، إلاّ «حبيب بن مظاهر»، فإنّه استشهد في الطفّ، وإلاّ «رفاعة بن شدّاد» فإنّه رجع إلى الكوفة بعد استشهاد سليمان والجماعة(18).
***
(1) أنساب الأشراف 3 / 393.
(2) انظر: تاريخ الطبري 3 / 277 ـ 278، الكامل في التاريخ 3 / 385/ ـ 386، البداية والنهاية 8 / 121 ـ 122.
(3) تقـدّم في الصفحة 258 وما بعـدها; فراجـع!
(4) انظر: انساب الأشراف 3 / 396، الكامل في التاريخ 3 / 419، البداية والنهاية 8 / 143.
(5) الدر النظيم: 551.
(6) بحار الأنوار 44 / 344، وانظر: تاريخ الطبري 3 / 314، البداية والنهايـة 8 / 122.
(7) بحار الأنوار 44 / 344.
(8) انظر: تاريخ الطبري 3 / 311 ـ 312.
(9) بحار الأنوار 44 / 334، وانظر: أنساب الأشراف 3 / 370، تاريخ الطبري 3 / 317.
(10) تاريخ الطبري 3 / 310، البداية والنهاية 8 / 187.
(11) بحار الأنوار 44 / 334.
(12) انظر: تاريخ الطبري 3 / 279.
(13) مناقب آل أبي طالب 4 / 112، البداية والنهاية 8 / 148.
(14) مناقب آل أبي طالب 4 / 122.
(15) الفتوح 5 / 92 ـ 93; وقد تقـدّم في الصفحات 285 ـ 288.
(16) سورة آل عمران 3: 169.
(17) انظر: الكامل في التاريخ 4 / 8 حوادث سـنة 65 هـ.
(18) سير أعلام النبلاء 3 / 395 ضمن ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي.