عليّ و قتاله للناكثين «حرب الجمل»
لما تصدى أميرالمؤمنين عليه السّلام للخلافة عزل عمال عثمان عن البلدان ما عدا أبي موسى الأشعري حيث أقرّه، وولّى قثم بن العبّاس مكة وعبيد الله بن العبّاس اليممن وقيس بن سعد بن عبادة مصر وعثمان بن حنيف البصرة.
وكانت عائشة بمكة خرجت قبل أن يقتل عثمان، وكانت تقول قبل ذلك: «اقتلوا نعثلا» لكنها حين سمعت بقتله نادت: «يا لثارات عثمان».
واتى طلحة والزبير إلى أميرالمؤمنين وطلباً منه أن يشركهما في الأمر، فقال: أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والأود. وتوجهت عائشة مع طلحة والزبير إلى البصرة، فمانعهم عثمان بن حنيف والي أميرالمؤمنين على البصرة، وجرى بينهم قتال، حتى تصالحوا على كف الحرب إلى قدوم علي، فلما كان في بعض الليالي بيتوا عثمان بن حنيف فاسروه وضربوه ونتفوا لحيته.
واذ سمع أميرالمؤمنين عليه السّلام بذلك خرج من المدينة متجهاً إلى البصرة ليسكت الفتنة ويقضي عليها. قال ابن الأثير: «وكان سبب اجتماعهم بمكة أن عائشة كانت خرجت اليها وعثمان محصور، ثم خرجت من مكة تريد المدينة، فلما كانت بسرف لقيها رجل من اخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة، وهو ابن أم كلاب، فقالت له: مهيم؟ قال: قتل عثمان وبقوا ثمانياً، قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: اجتمعوا على بيعة علي، فقالت: ليت هذه انطبقت على هذه ان تم الأمر لصاحبك! ردوني ردوني! فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه فقال لها: ولم؟ والله ان أوّل من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت: انهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا: وقولي الأخير خير من قولي الأول، فقال لها ابن أم كلاب:
فمنك البداء ومنك الغير *** ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام *** وقلت لنا انّه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله *** وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا *** ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرأ *** يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها *** وما من وفي مثل من قد غدر(1)
(1) الكامل في التاريخ ج3 ص206.