إطلاق لسانه في الصالحين
منها: إنّه قد أطلق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والثقة، فقد قال المزّي:
«قال الحافظ أبوبكر الخطيب: قد ذكر بعض العلماء إنّ مالكاً عابه جماعة من أهل العلم في زمانه بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والثقة والأمانة، واحتجّ بما أخبرني الرمّاني قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبدالملك الآدمي قال: حدّثنا محمّد بن علي الأيادي قال: ثنا زكريّا بن يحيى الساجي قال: حدّثني أحمد بن محمّد البغدادي قال: حدّثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدّثنا محمّد بن فليح قال: قال لي مالك بن أنس: هشام بن عروة كذّاب…»(1).
ولا يخفى: أنّ إطلاق اللسان في الصالحين ذنب عظيم وفسق كبير، وقد ذكر ابن الجوزي أنّ من تلبيس إبليس على أصحاب الحديث قدح بعضهم في بعض طلباً للتشفّي…(2)
وهشام بن عروة من أكابر الثقات عند القوم، قال الذهبي: «هشام بن عروة أبوالمنذر، وقيل: أبو عبدالله، القرشي، أحد الأعلام، سمع عمّه ابن الزبير، وعنه: شعبة ومالك والقطّان، توفي سنة 146. قال أبو حاتم: ثقة إمام في الحديث»(3).
وكما تكلّم في «هشام بن عروة» بلا دليل، فقد تكلّم في «محمّد بن إسحاق» فقد قال سبط ابن الجوزي بعد حديث: «فإن قيل: الحديث ضعيف، في إسناده ابن إسحاق، كذّبه مالك، وفيه أيضاً: علي بن عاصم متروك…
والجواب: قد أخرجه أحمد في الفضائل. وأمّا ابن إسحاق فقد قال أحمد: يقبل قوله في المغازي والسير، وأثنى عليه جماعة من العلماء، وكان إماماً كبيراً، وإنّما طعن عليه مالك لأنّه لمّا صنّف الموطّأ قال: أروني إيّاه فأنا بيطاره، فبلغ ذلك مالكاً فشقّ عليه وقال: ذاك دجّال من الدجاجلة. وقد أخذوا على مالك في هذا، فإنّه لا يقال من الدجاجلة بل من الدجّالين»(4).
وقد قال الذهبي: «محمّد بن إسحاق بن يسار أبوبكر ويقال: أبو عبدالله، المطلّبي مولاهم، المدني، الإمام، رأى أنساً وروى عن عطاء والزهري، وعنه: شعبة والحمّادان والسفيانان ويونس بن بكير وأحمد بن خالد. كان صدوقاً، من بحور العلم…»(5).
وقال اليافعي: «الإمام محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي، مولاهم، المدني صاحب السيرة، وكان بحراً من بحور العلم، ذكيّاً حافظاً، طلابة للعلم، أخبارياً نسابةً ثبتاً في الحديث عند أكثر العلماء. وأمّا في المغازي والسير فلا يجهل إمامته. قال ابن شهاب الزهري: من أراد المغازي فعليه بابن إسحاق. وذكر البخاري في تاريخه، وروي عن الشافعي أنّه قال: من أراد أن يتبحّر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق، وقال سفيان بن عيينة: ما أدركت أحداً يتّهم ابن إسحاق في حديثه، وقال شعبة بن الحجّاج: محمّد بن إسحاق أميرالمؤمنين في الحديث»(6).
(1) تهذيب الكمال 24: 415/5057.
(2) تلبيس إبليس: 135.
(3) الكاشف 3: 211/6051.
(4) تذكرة خواص الاُمّة 3: 7/4768.
(5) الكاشف 3: 7/4768.
(6) مرآة الجنان 1: 244.