3
من تحريفات الصحابة
للأحاديث النبويّة
وفي كتب القوم ـ من الصّحاح وغيرها ـ أحاديث يرويها بعض الصحابة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بصورة محرّفة، وإنّ البعض الآخر منهم يردّ عليه ويبيّن له ويذكّره باللفظ الذي قاله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم…
ونحن نكتفي هنا بعدد من تلك الأحاديث:
1 ـ الحديث في البكاء على الميّت
لقد نسب عمر بن الخطّاب وولده عبدالله إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال بأنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه، فنبّهت عائشة على أنّ ما يرويانه تحريفٌ لكلامه، ثمّ ذكرت حقيقة الأمر كما قال عليه وآله الصلاة والسلام.
أخرج البخاري: «حدّثنا عبدان قال: أخبرنا عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة قال: توفّيت بنت لعثمان بمكّة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عبّاس وإنّي لجالس بينهما ـ أو قال: جلست إلى أحدهما ثمّ جاء الآخر فجلس إلى جنبي ـ فقال عبدالله بن عمر لعمرو بن عثمان:
ألا تنهى عن البكاء؟ فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه!
فقال ابن عبّاس: قد كان عمر يقول بعض ذلك، ثمّ حدَّث قال: صدرت مع عمر من مكّة، حتّى إذا كنّا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظلّ سمرة فقال: إذهب فانظر من هؤلاء الركب، قال: فنظرت فإذا صهيب، فأخبرته، فقال: ادعه لي، فرجعت إلى صهيب فقلت: ارتحل فالحق أميرالمؤمنين، فلمّا اُصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: واأخاه واصاحباه! فقال له عمر: يا صهيب أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الميّت يعذّب ببعض بكاء أهله عليه.
قال ابن عبّاس: فلمّا مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت:
يرحم الله عمر، والله ما حدّث رسول الله إنّ الله ليعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله قال: إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه.
قالت: حسبكم القرآن (ولا تزر وازرة وزر اُخرى).
قال ابن عبّاس عند ذلك: والله هو أضحك وأبكى.
قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر شيئاً»(1).
فانظر كيف حرّف عمر وولده كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وما استحيت عائشة من تكذيبهما…؟
وفي (الإنصاف في بيان سبب الإختلاف) ما نصّه:
«ومنها: اختلاف الضبط. مثاله: ما روي عن ابن عمر عنه صلّى الله عليه وسلّم من أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه.
نقضت عائشة بأنّه لم يأخذ الحديث على وجهه: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على يهوديّة يبكي عليها أهلها، فقال صلّى الله عليه وسلّم: إنّهم يبكون عليها وإنّها تعذَّب في قبرها.
وظنّ العذاب معلولاً بالبكاء، وظنّ الحكم عامّاً على كلّ ميّت».
أقول:
وهذا الذي ذكره وليّ الله الدهلوي موجود في صحيح مسلم وغيره(2).
ثمّ لا يخفى أنّ التحريف في الألفاظ النبويّة من عبدالله بن عمر كثير، ممّا يظهر أنّ التحريف والتصرّف في الأحاديث كان سجيّةً له.
(1) صحيح البخاري 2: 173.
(2) صحيح مسلم 3: 41، كتاب الجنائز، باب الميت يعذّب ببكاء أهله عليه.