الموضوعات في سنن أبي داود
وإلى جنب تلك الأحاديث المقدوح فيها، أحاديثٌ حكم العلماء عليها بالوضع:
(منها): قال: «حدّثنا عبدالرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، ثنا موسى بن عبدالعزيز، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال للعبّاس بن عبدالمطّلب: يا عبّاس يا عم، ألا اُعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوّله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سرّه وعلانيته؟ عشر خصال: أن تصلّي أربع ركعات، تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أوّل ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، خمس عشرة مرّة، ثمّ تركع وتقولها وأنت راكع عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثمّ تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثمّ تسجد فتقولها عشراً، ثمّ ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون، في كلّ ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصلّيها في كلّ يوم مرّة فافعل، فإن لم تفعل ففي كلّ جمعة مرّةً، فإن لم تفعل ففي كلّ شهر مرّةً، فإن لم تفعل ففي كلّ سنة مرّة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرّة»(1).
وهذا الحديث أدرجه ابن الجوزي في (كتاب الموضوعات)، لأنّ موسى ابن عبدالعزيز مجهول(2).
وقد ترجم الذهبي هذا الرجل في (الميزان) قال:
«دق، موسى بن عبدالعزيز، أبو شعيب العدني القنباري، ما أعلمه روى عن غير الحكم بن أبان، فذكر صلاة التسبيح، روى عنه بشر بن الحكم وابنه عبدالرحمن بن بشر وإسحاق بن أبي إسرائيل، وغيرهم. لم يذكره أحد في كتب الضعفاء أبداً، ولكن ما هو الحجّة؟ قال ابن معين: لا أرى به بأساً، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن حبّان: ربّما أخطأ، وقال أبوالفضل السليماني: منكر الحديث، وقال ابن المديني: ضعيف.
قلت: حديثه من المنكرات، لاسيّما والحكم بن أبان ليس أيضاً بالثبت»(3).
(ومنها) قال: «حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرني أبوبكرة بكّار بن عبدالعزيز قال: أخبرتني عمّتي كيسة بنت أبي بكرة: إنّ أباها كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول الله: إنّ يوم الثلاثاء يوم الدم…»(4).
وهذا الحديث أيضاً، أورده ابن الجوزي في (الموضوعات)(5).
(ومنها) قال: «حدّثنا سعيد بن منصور، نا أبو معشر عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تقطعوا اللّحم بالسكّين فإنّه من صنع الأعاجم، وانهشوه نهشاً فإنّه أهنأ وأمرء»(6).
قال ابن القيّم: «وأمّا حديث عائشة الذي رواه أبو داود مرفوعاً: لا تقطعوا اللّحم بالسكّين فإنّه من صنيع الأعاجم، وانهشوه نهشاً فإنّه أهنأ وأمرء. فردّه الإمام أحمد بما صحّ عنه صلّى الله عليه وسلّم من قطعه بالسكين، في حديثين، وقد تقدّما»(7).
وقد أورده ابن الجوزي في (الموضوعات)(8).
(ومنها) قال: «حدّثنا موسى بن إسماعيل، نا عبدالعزيز بن أبي حازم، حدثني ـ بمنى ـ عن أبيه، عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: القدريّة مجوس هذه الاُمّة…»(9).
وقد أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) فقال:
«أخبرنا ابن السمرقندي قال: أخبرنا ابن مسعدة قال: أخبرنا حمزة قال: حدّثنا ابن عدي قال: أنبأ أحمد بن جعفر بن محمّد البغدادي قال: حدّثنا سوار ابن عبدالله القاضي قال: حدّثنا معتمر بن سليمان قال: حدّثنا أبوالحسن ـ يعني يزيد بن هارون، كذا كنّاه ـ عن جعفر بن الحارث عن يزيد بن ميسرة عن عطاء الخراساني عن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم:
إنّ لكلّ اُمّة مجوساً وإنّ مجوس هذه الاُمّة القدريّة; فلا تعودوهم إذا مرضوا، ولا تصلّوا عليهم إذا ماتوا.
قال المصنّف: وهذا لا يصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: يحيى بن جعفر بن الحارث ليس بشيء.
وقد روى عتبان بن ناقد عن أبي الأشهب النخعي، عن الأعمش، وعن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم نحوه. قال أبو حاتم الرازي: عتبان مجهول، وهذا الحديث حديث باطل.
طريق آخر: أخبرنا علي بن عبدالواحد الدينوري قال: أنبأ علي بن عمران القزويني قال: حدّثنا محمّد بن علي بن سويد قال: ثنا أحمد بن محمّد العسكري قال: ثنا أبوالوليد عبدالملك بن يحيى بن عبدالله بن بكير قال: ثنا أبي قال: حدّثني الحسن بن عبدالله بن أبي عون الثقفي، عن رجا بن الحارث، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يكونون قدرية ثمّ يكونون زنادقة ثمّ يكونون مجوساً، وإنّ لكلّ اُمّة مجوساً وإنّ مجوس اُمّتي المكذّبة بالقدر; فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا يُتبع لهم جنازة.
قال المصنّف: هذا حديث لا يصحّ، وفيه مجاهيل. قال أبوعبدالرحمن النسائي: هذا الحديث باطل كذب»(10).
(ومنها) قال: «حدّثنا هارون بن عبدالله، نا ابن أبي فديك عن الضحّاك ـ يعني ابن عثمان ـ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة إنّها قالت: أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم باُم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثمّ مضت فأفاضت، فكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله تعنى عندها»(11).
قال ابن القيّم: «وأمّا حديث عائشة: أرسل رسول الله… رواه أبو داود، فحديث منكر، أنكره الإمام أحمد وغيره. وممّا يدلّ على إنكاره أنّ فيه: إنّ رسول الله أمرها أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة، وفي رواية: توافيه، وكان يومها، فأحبّ أن توافيه، وهذا من المحال قطعاً. قال الأثرم: قال لي أبو عبدالله: ثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب بنت اُم سلمة أنّ النبي أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة. لم يسنده غيره، وهو خطأ. وقال وكيع عن أبيه مرسله: إنّ النبي أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة، أو نحو هذا، وهذا عجب أيضاً، النبي يوم النحر وقت صلاة الصبح ما يصنع بمكة؟ ينكر ذلك»(12).
(ومنها) قال: «حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، نا حمّاد بن خالد، نا محمّد ابن عمرو، عن محمّد بن عبدالله، عن عمّه عبدالله بن زيد قال: أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم في الأذان أشياء لم يصنع منها شيئاً، قال: فاُري عبدالله بن زيد الأذان في المنام، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبره فقال: ألقه على بلال فألقاه عليه، فأذّن بلال، فقال عبدالله: أنا اُريته وأنا كنت أُريده، قال: فأقم أنت»(13).
وهذا الحديث كذّبه محمّد بن الحنفيّة كما في (السيرة الحلبية):
«عن أبي العلاء قال: قلت لمحمّد بن الحنفيّة: إنّا لنتحدّث أنّ بدء هذا الأذان كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، قال: ففزع له محمّد بن الحنفيّة فزعاً شديداً وقال: عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم، فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب، وقد تكون أضغاث أحلام.
فقلت له: هذا الحديث قد استفاض في الناس.
قال: هذا ـ والله ـ هو الباطل. ثمّ قال:
وإنّما أخبرني أبي: أنّ جبرئيل عليه السلام أذّن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام، ثمّ أعاد جبرئيل عليه السلام الأذان لمّا عرج بالنبي إلى السماء، فسمعه عبدالله بن زيد وعمر بن الخطّاب، وفي رواية عنه: إنّه لمّا انتهى إلى مكان في السماء وقف به وبعث الله ملكاً فقيل له: علّمه الأذان، فقال الملك: الله أكبر، فقال الله: صدق عبدي أنا الله الأكبر، إلى أن قال: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة..»(14).
وقد كذّب هذا أئمة أهل البيت عليهم السلام أيضاً، ففي (المستدرك) مثلاً:
«حدّثني نصر بن محمّد، ثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الحافظ، ثنا أحمد بن يحيى البجلي، ثنا محمّد بن إسحاق البلخي، ثنا نوح بن دراج عن الأجلح عن الشعبي عن سفيان بن ليلى قال: لمّا كان من أمر الحسن بن علي ومعاوية ما كان قِدمته على المدينة وهو جالس في أصحابه ـ فذكر الحديث بطوله ـ قال: فتذاكرنا عنده الأذان فقال بعضنا: إنّما كان بدء الأذان رؤيا عبدالله ابن زيد بن عاصم، فقال له الحسن بن علي: إنّ شأن الأذان أعظم من ذاك. أذّن جبرئيل عليه الصلاة والسلام في السماء مثنى مثنى، وعلّمه رسول الله وأقام مرةً مرةً، فعلمه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم»(15).
(ومنها) الأحاديث التي كذّبها السراج القزويني(16) وحكم بوضعها، وهي في سنن أبي داود، ونقلها البغوي في المصابيح، ومنها:
«عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم.
حدّثنا ابن بشّار أبو عامر وأبو داود قال: حدّثنا زهير بن محمّد، حدّثني موسى بن وردان، عن أبي هريرة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
«حدّثنا محمّد بن كثير، أنا سفيان ثنا مصعب بن محمّد بن شرحبيل، حدّثني يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت حسين، عن حسين بن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: للسائل حقّ وإن جاء على فرس».
«حدّثنا حمّاد عن محمّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانه».
«حدّثنا نصر بن علي: أخبرني أبو أحمد، ثنا سفيان، عن الحجّاج بن فراقِصَة عن رجل، عن أبي سلمة، وثنا محمّد بن المتوكّل العسقلاني، ثنا عبدالرزاق، أنا بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: المؤمن غرّ كريم والفاجر خبّ لئيم».
وأمّا حكم سراج الدين بوضع هذه الأحاديث، فقد قال حسن بن محمود بن عبدالمجيد الدجاني في (رسالته)(17) التي ذكر فيها الأحاديث التي انتقدها سراج الدين على المصابيح ما هذا لفظه بنصّه:
أخبرني الشيخ العالم سراج الملّة والدين أبو حفص عمر بن علي بن عمر القزويني، المقرئ عليّ حين قراءتي كتاب المصابيح عليه قال: وقد وقع في هذا الكتاب ـ يعني كتاب المصابيح ـ أحاديث موضوعة.
فمن ذلك: في باب الإيمان بالقدر: صنفان من اُمّتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية، والقدرية مجوس هذه الاُمّة. إلى آخر الحديث.
وفي باب الأذان: اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله إلى آخره. وأمّا صدر هذا الحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام لبلال: إذا أذّنت فترسّل وإذا أقمت فاحدر، فليس بموضوع.
وفي باب التطوّع: صلاة التسبيح موضوع، نقله الشيخ سراج الدين عن الإمام أحمد بن حنبل وكثير من الأئمّة.
وفي باب البكاء على الميّت: من عزّى مصاباً فله مثل أجره.
وفي باب فضائل القرآن: حديثان موضوعان، أحدهما: من شغله القرآن عن ذكري، والثاني: ألا إنّها ستكون فتنة.
وفي باب الإجارة: أعطوا السائل وإن جاء على فرس. وأمّا صدر هذا الحديث: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه، فليس بموضوع.
وفي كتاب الحدود: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلاّ الحدود.
وفي باب الترجّل: يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يجدون رائحة الجنّة.
وفي باب التصاوير: رأى رجلاً يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطاناً.
وفي كتاب الآداب: إذا كتب أحدكم كتاباً فليزيّنه فإنّه أنجح للحاجة.
وفي باب حفظ اللّسان والغيبة: لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك.
وفي باب المفاخرة والعصبية: حبّك الشيء يعمي ويصم.
وفي باب الحبّ في الله ومن الله: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
وفي باب الحذر والتأنّي في الاُمور: لا حليم إلاّ ذو عثرة، ولا حكيم إلاّ ذوتجربة.
وفي باب الرفق والحياء: الحياء حسن الخلق، والمؤمن غِرّ كريم، والمنافق خب لئيم».
(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، صلاة التسبيح 2: 46 ـ 47/1297.
(2) كتاب الموضوعات 2: 143.
(3) ميزان الاعتدال 6: 550/8900.
(4) سنن أبي داود 4: 128/3862.
(5) كتاب الموضوعات 3: 213.
(6) سنن أبي داود 4: 94/3778.
(7) زاد المعاد في هدي خير العباد 4: 304.
(8) كتاب الموضوعات 2: 303.
(9) سنن أبي داود 5: 45/4691.
(10) كتاب الموضوعات 1: 274 ـ 275.
(11) سنن أبي داود 2: 329/1942.
(12) زاد المعاد 2: 249.
(13) سنن أبي داود 1: 250/512.
(14) السيرة الحلبية 2: 96.
(15) المستدرك على الصحيحين 3: 171 .
(16) وهو: سراج الدين أبو حفص عمر بن عبدالرحمن القزويني المتوفى سنة 745 .
(17) ذكر السيّد رحمه الله أنّ عنده نسخةً من هذه الرسالة وينقل عنها مباشرة.