من كلماتهم في ذمّ التدليس
هذا، وقد نقلنا سابقاً كلمات بعض أعلام القوم في ذمّ التدليس وتقبيحه وتحريمه، وعن شعبة: أنّه أشدّ من الزنا وأخو الكذب، قال السيوطي في أقسام التدليس:
«وأمّا القسم الأوّل فمكروه جدّاً، ذمّه أكثر العلماء، وبالغ شعبة في ذمّه فقال: لأنْ أزني أحبُّ إليَّ من أنْ اُدلّس. وقال: التدليس أخو الكذب»(1).
وأمّا قول ابن الصلاح من أنّ هذا إفراط، وإنّه محمول على الزجر والتنفير من التدليس، كما نقله السيوطي، ففيه: إنّه إنْ أراد صرف كلام شعبة عن ظهوره في حرمة التدليس، فلا سبيل إليه أصلاً، وقد تقدّم تصريح النووي بحرمته، وتقدّم أنّه من تلبيس إبليس كما نصّ عليه ابن الجوزي، على أنّ جماعةً من المحدّثين ذهبوا إلى أنّ ارتكاب التدليس ـ ولو كان مرّةً واحدة ـ يوجب الجرح وتردّ به الرواية، كما في (تدريب الراوي) حيث قال:
«ثمّ قال فريق منهم من أهل الحديث والفقهاء: من عرف به صار مجروحاً مردود الرواية مطلقاً وإنْ بيّن السماع»(2).
ومراده من «مطلقاً» هو عدم الفرق بين التدليس مرّةً أو أكثر، وهذا ما نصَّ عليه شرّاح (نخبة الفكر).
وقال ابن جماعة الكناني في (المنهل الروي):
«النوع الرابع: التدليس، وهو قسمان: تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ. الأوّل: تدليس الإسناد، وهو أنْ يروي عمّن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه، موهماً أنّه سمعه منه، ولا يقول أخبرنا وما في معناه ونحوه، بل يقول: قال فلان أو عن فلان أو إنّ فلاناً قال، وشبه ذلك. ثمّ قد يكون بينهما واحد، وقد يكون أكثر.
وهذا القسم من التدليس مكروه جدّاً، وفاعله مذموم عند أكثر العلماء، ومن عرف به مجروح عند قوم لا تقبل روايته، بيّن السماع أو لم يبيّنه»(3).
وتلخص:
إنّ سفيان بن عيينة عند هذا الفريق من الفقهاء والمحدّثين مجروح مردود الرواية، وعند الأكثر مذموم مطعون فيه.
(1) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي 1: 228.
(2) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي 1: 229.
(3) المنهل الروي في علم اُصول حديث النبي: 72.