ذم القدريّة في روايات القوم
ولا بأس بإيراد طرف من الروايات الواردة في ذمّ القدريّة:
أخرج الترمذي:
«عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: صنفان من اُمّتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدريّة. وفي الباب عن عمر وابن عمر ورافع بن خديج. هذا حديث حسن غريب»(1).
وأخرج أبو داود:
«عن ابن عمر، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: القدريّة مجوس هذه الاُمّة; إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم»(2).
وأخرج أيضاً:
«عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لكلّ اُمّة مجوس، ومجوس هذه الاُمّة الذين يقولون لا قدر; من مات منهم فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم فلا تعودوهم، وهم شيعة الدجّال، وحقّ على الله أن يلحقهم بالدجّال»(3).
وفي (التمهيد في بيان التوحيد):
«روي: إنّ رجلاً دخل على عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه وقال: أخبرني عن القدر.
فقال له: طريقٌ مظلم فلا تسلكه.
فسكت ساعة، ثمّ قال له: أخبرني عن القدر.
فقال: بحر عميقٌ لا تَلِجْهُ.
فسكت ساعة، ثمّ قال له: أخبرني عن القدر.
فقال: سرّ الله فلا تُفشِه.
فسكت ساعة، ثمّ قال: أخبرني عن القدر.
فبدأ علي رضي الله عنه بالسؤال، فقال له: أخبرني مشيّتك مع مشيّة الله أو دون مشيّة الله؟
فتحيّر الرجل، فقال لعلي: قل أنت.
فقال له: إن قلت: بأنّ مشيّتي مع مشيّة الله تعالى، فقد ادّعيت المشاركة مع الله تعالى، وإن قلت: بأنّ مشيّتي دون مشيّة الله، فقد ادّعيت الاُلوهيّة، فعلمت أنّ مشيّتك تحت مشيّة الله.
فقال الرجل: تبت إلى الله. وقام.
فقال عليّ رضي الله عنه لأصحابه: قوموا وصافحوه، فإنّه الآن أسلم.
ففي هذا دليل على أنّ من أنكر القدر يصير كافراً، ولأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: القدريّة مجوس هذه الاُمّة; إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشيّعوا جنائزهم، أولئك هم شيعة الدجّال، وحقّ على الله أن يلحقهم بالدجّال، ولأنّهم أنكروا النصّ، لأنّ الله تعالى قال: (وما تشاؤون إلاّ أن يشاءَ اللهُ)».
وجاء فيه أيضاً:
«فإن قال: بأنّ الله تعالى لم يخلق الشر والكفر وذلك مخلوق غير الله، فقد أثبت صانعاً وخالقاً غير الله، فيكون مشركاً بالله تعالى ويكون كافراً، وإن قال: بأنّ الشرّ مخلوق الله تعالى بدون إرادته ومشيّته، فقد اعتقد بأنّ الله تعالى مجبور مكره في تخليقه، وهذا كفر; فثبت أنّ الكلّ بمشيّة الله وبإرادته وقضاءه وقدره.
ومن أنكر القدر فهو كافر بالله العظيم»(4).
وقال النووي في (المنهاج):
«قال الإمام ـ يعني إمام الحرمين ـ في كتاب الإرشاد في اُصول الدين: وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: القدريّة مجوس هذه الاُمّة، شبّههم بهم لتقسيمهم الخير والشرّ في حكم الإرادة كما قسمت المجوس، فصرفت الخير إلى يزدان والشر إلى أهرمن، ولا خفاء باختصاص هذا الحديث بالقدريّة»(5).
وفي (كنز العمّال):
«إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً قبلي إلاّ كان في اُمّته من بعده مرجئة وقدريّة يشوشون عليه أمر اُمّته من بعده، ألا إنّ الله عزّ وجلّ لعن المرجئة والقدريّة على لسان سبعين نبيّاً، ألا وإنّ اُمّتي لاُمّة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة وإنّما عذابها في الدنيا، ألا إنّ صنفين من اُمّتي لا يدخلون الجنّة: المرجئة والقدريّة. ابن عساكر عن معاذ:
صنفان من اُمّتي لعنهم الله على لسان سبعين نبيّاً: القدريّة والمرجئة الذين يقولون: الإيمان إقرار ليس فيه عمل. الديلمي عن حذيفة»(6).
(1) صحيح الترمذي 4: 454/2149 كتاب القدر الباب 13.
(2) سنن أبي داود 5: 46/4691 كتاب السنة الباب 17.
(3) سنن أبي داود 5: 46/4692 كتاب السنة الباب 17.
(4) التمهيد في بيان التوحيد: 24.
(5) شرح صحيح مسلم 1: 154 كتاب الإيمان ـ إثبات القَدَر.
(6) كنز العمّال 1: 135/635 و636.