كلام الإمام في أبي موسى بعد التحكيم
أمّا الإمام عليه السلام، فلمّا بلغه ما صنعه أبو موسى خطب قائلاً:
«الحمد لله وإنْ أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل، وأشهد أنْ لاإله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله. أمّا بعد، فإنّ المعصية تورث الحسرة وتعقب الندامة، وكنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري فأبيتم، ونحلتكم رأيي فما ألويتم، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن:
أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى *** فلم تبيّنوا الرشد إلاّ ضحى الغد
أمّا بعد، فإنّ هذين الرجلين الذين قد اخترتموهما حكمين، قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن، واتّبع كلّ واحد منهما هواه بغير هدىً من الله، فحكما بغير حجّة ولا سنّة مضيئة، واختلفا في حكمهما، وكلاهما لم يرشدا، استعدّوا وتأهّبوا للمسير إلى الشام»(1).
وفي رواية عن الشعبي: «… وكلاهما لم يرشدا، فبرئا من الله ورسوله وصالح المؤمنين، فاستعدّوا للجهاد…»(2).
وكفى بهذا شرفاً وفخاراً لأهل السنّة، حيث جعلوا هذا الملوم المذموم، الخائن الفاسق، النابذ لحكم القرآن، المحيي ما أماته والمميت ما أحياه، والتابع لهواه المردي والتارك لهداه المنجي، والحاكم بغير حجّة، والقاضي بغير سنّة، والبريء من الله ورسوله وصالح المؤمنين، والتابع لإغواء الشيطان الرجيم اللّعين، إماماً وملجأً وسنداً وكهفاً ومرجعاً ومعتمداً!!
وفي كلام له عليه السلام مخاطباً الخوارج:
«أيّها العصابة التي أخرجها عداوة المراء والحجاج، وصدّهم عن الحقّ اتّباع الهوى واللّجاج، إنّ أنفسكم الأمّارة بالسوء سوّلت لكم فراقي لهذه الحكومة التي أنتم بدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره، وأنبأتكم أنّ القوم إنّما فعلوه مكيدة، فأبيتم علَيَّ إباء المخالفين، وعندتم عليَّ عناد العاصين، حتّى صرفت رأيي إلى رأيكم، وإنّي معاشرهم ـ والله ـ صغار الهام سفهاء الأحلام، فأجمع رؤساؤكم وكبراؤكم أنْ اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّيانه، فتاها وتركا الحق وهما يبصرانه، فبيّنوا لنا بم تستحلّون قتالنا والخروج عن جماعتنا، ثمّ تستعرضون الناس تضربون أعناقهم، إنّ هذا لهو الخسران المبين»(3).
وروى أبوالفرج ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) كتاب الإمام إلى الخوارج:
«أمّا بعد، فإنّ هذين الرجلين اللذين ارتضيا حكمين، قد خالفا كتاب الله واتّبعا أهواءهما، ونحن على الأمر الأوّل»(4).
(1) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: 101.
(2) تذكرة خواصّ الاُمّة في معرفة الأئمّة: 99.
(3) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: 103.
(4) تلبيس إبليس: 108.