في الإنفاق عن الميت
في وجوه البرّ والإحسان.
ويكفي في استحبابه: عموم ما دلّ على استحباب مطلق المبرات، والخيرات، على أنّ فعل النبي صلّى اللّه عليه وآله وقوله دالاّن على الإستحباب في خصوص المقام.
وحسبك من فعله: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما(1)بطرق متعددة: عن عائشة، قالت: «ما غرتُ على أحد من نساء النبي (صلّى اللّه عليه وآله)، مثل ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي (صلّى اللّه عليه وآله)، يُكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: «كأنّه لم يكن في الدنيا إلاّ خديجة»، فيقول: «إنّها كانت وكانت وكان لي منها ولد».
قلتُ: وهذا يدلُّ على استحباب صلة أصدقاء الميت وأوليائه في اللّه عزّوجلّ بالخصوص.
ويكفيك من قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: ما أخرجه مسلم في باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، من كتاب الزكاة، في الجزء الأول من صحيحه بطرق متعددة، عن عائشة: إنّ رجلا أتى النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) فقال: «يا رسول اللّه إنّ أُمي افتلتت نفسها، ولم توص، أفلها أجر إن تصدّقتُ عنها؟» قال (صلّى اللّه عليه وآله): «نعم!»(2).
ومثله: ما أخرجه أحمد من حديث عبداللّه بن عباس في الصفحة 333 من الجزء الأوّل من مسنده، من أنّ سعد بن عباده قال: «إنّ ابن بكر أخابني ساعدة توفيت أُمّه وهو غائب عنها فقال: يا رسول اللّه: إنّ أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدّقت بشيء عنها»؟ قال: «نعم» قال: «فإني اشهدك أن حائط المخرف صدقة عليها»(3).
والأخبار في ذلك متضافرة(4)، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة(5).
(1) فراجع من صحيح البخاري 4 / 231، باب تزويج النبي خديجة وفضلها، من صحيح مسلم: باب فضائل خديجة أم المؤمنين عليها السلام. (المؤلّف).
وللتفصيل راجع: مسند أحمد 6 / 279، والمستدرك للحاكم 4 / 175، والمعجم الكبير للطبراني 10 / 23 ح 11 وأُسد الغابة 5 / 438. (المؤلف).
(2) صحيح مسلم 3 / 81 .
(3) مسند أحمد بن حنبل 1 / 333.
(4) المعجم الأوسط للطبراني 1 / 217، مسند أبي يعلى الموصلي 7 / 410، ح 4434، السنن الكبرى، للنسائي 4 / 109 وكنز العمال / 599 : 6، ح 17053.
(5) وربما كان المنكر علينا فيما نفعله من المبرّات عن الحسين (عليه السّلام)، لا يقنع بأقوال النبي (صلّى اللّه عليه وآله) ولا بأفعاله، وإنما تقنعه أقوال سلفه، وأفعالهم، وحينئذ نحتج عليه بما فعله الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي، إذ مات لبيد بن ربيعة العامري الشاعر، فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً، فنحرت عنه، كما نصّ عليه ابن عبدالبر، في ترجمة لبيد، من الإستيعاب ]3 / 1136 ـ 1137[. (المؤلف).