الأمر الخامس
لقد ألّف أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ـ المتوفّى سنة 579 ـ كتاباً في الأحاديث الضعيفة سمّاه بـ(العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) وكتاباً في الأحاديث الموضوعة سماه بـ(كتاب الموضوعات) وكلاهما مطبوعان منتشران.
وقد أصبح هذان الكتابان ذريعةً بيد بعض المتعصّبين الّذين يحاولون ردّ مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام، مع أنّ كبار العلماء المحقّقين يصرّحون بأن أبا الفرج قد جازف كثيراً في إدراج الأحاديث في الكتابين المذكورين، نكتفي هنا بذكر بعض كلماتهم:
قال الذهبي: «ربّما يذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حساناً قويّة».
وقال الحافظ ابن حجر ـ في قصّة أوردها ـ : «دلّت هذه القصّة على أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينتقد مايحدّث به»(1).
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين، أعني أبا الفرج ابن الجوزي، فذكر في كتابه كثيراً ممّا لادليل على وضعه…»(2).
فهذه طائفة من كلماتهم في ابن الجوزي وكتابه (الموضوعات). ولذا لم يعبأ الحفّاظ والمحقّقون بإدخاله حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» في الكتاب المذكور، فمنهم مَنْ نصَّ على صحّته، ومنهم مَنْ ذهب إلى أنّه حسن يحتجُّ به، كالحافظ الصّلاح العلائي، فإنه قال في كلام له نقله الحافظ السيوطي: «ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلّة قادحة في حديث شريك، سوى دعوى الوضع دفعاً بالصدر»(3) وكالحافظ الزركشي ـ فيما نقله عنه المناوي ـ : «ينتهي إلى درجة الحسن المحتجّ به، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن كونه موضوعاً»(4) وكالحافظ ابن حجر، فإنه قال في فتيا له ـ نقلها الحافظ السيّوطي ـ : «هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال إنّه صحيح، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وقال إنه كذب. والصّواب خلاف قوليهما معاً، وأنّ الحديث من قسم الحسن لايرتقي إلى الصحة ولا ينحطّ إلى كذب»(5).
ولمّا أدرج كتابه (العلل المتناهيّة) الحديث الصحيح: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي…» اعترض الحفّاظ عليه بشدّة، قال الحافظ السخاوي: «وتعجّبت من إيراد ابن الجوزي له في (العلل المتناهية) بل أعجب من ذلك قوله: إنه حديث لا يصحّ. مع ماسيأتي من طرقه إلى بعضها في صحيح مسلم»(6).
وقال الحافظ السمهودي: «ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في (العلل المتناهية) فإيّاك أن تغترّ به، وكأنه لم يستحضره حينئذ»(7).
وقال المناوي: «قال الهيثمي: رجاله موثّقون، ورواه أبو يعلى بسند لابأس به والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر. ووهم مَنْ زعم ضعفه كابن الجوزي»(8).
فظهر أنه لا يجوز الاغترار بإيراد ابن الجوزي حديثاً في (العلل) أو (الموضوعات)، وأنه لا يغترّ بذلك إلاّ مَنْ كان على شاكلته.
(1) لسان الميزان: 2 / 84 .
(2) تدريب الراوي: 1 / 235.
(3) اللآلئ المصنوعة 1 / 332.
(4) فيض القدير 3 / 47.
(5) اللآلئ المصنوعة 1 / 334.
(6) إستجلاب إرتقاء الغرف: 83 .
(7) جواهر العقدين: 232.
(8) فيض القدير 3 / 14 ـ 15.